البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد العزيز الكميم: شدني المشروع الوطني القومي للرئيس عبد الناصر
نشر في المصدر يوم 29 - 08 - 2010

تنشر صحيفة "السياسية" الصادرة عن وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" حوارات أسبوعية تتناول جوانب مخفية عن شخصيات سياسية واجتماعية عرفنا نصف حياتها لكننا لا نعرف شيئاً عن نصفها الآخر.

المصدر أونلاين وبالاتفاق مع الصحيفة ومع الزميل صادق ناشر الذي قام بإجراء هذه الحوارات يعيد نشرها، وفيما يلي الحلقة الثانية من الحوار مع عضو اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى الدكتور عبد العزيز الكميم.

*ما الذي شدك لجمال عبد الناصر وجعلك تبكي من أجله؟
- شدني مشروعه الوطني والقومي، ودفاعه عن الثورة اليمنية ومساندته لها، ودعمه لاستقلال الدول العربية من الاستعمار، ووالدي بذر في نفسي بذرة أن أكون عروبياً أحب وطني العربي من الخليج إلى المحيط، وأن أكون جمهوريا، وقد استقبلت خبر وفاة عبد الناصر ثاني يوم وفاته، عندما كان والدي يقلب الراديو، وقال لي بصوت حزين: "لقد مات جمال عبد الناصر".

* بمناسبة الحديث عن الراديو، ما شعورك في أول يوم سمعت فيه الإذاعة؟
- كنت استمع للراديو الذي أحضره والدي معه من الحبشة من نوع "فيليبس"، ولا زلت أحتفظ به إلى اليوم، كان حجمه كبيراً، وكنت استمع فيه لمختلف الإذاعات، واشتركت في صغري ببرنامج للأطفال كان يقدمه محمد موسى.

*وبالنسبة للقراءة، متى بدأ شغفك بها، ما الذي كان يشدك أكثر للقراءة؟
- كانت تشدني قراءة المجلات والإطلاع على أخبار الفن والرياضة، وكانت تستهويني قراءة المواضيع المتعلقة بالقومية العربية وملاحم الاستقلال الوطني في الدول العربية كاستقلال الجزائر وتونس.

وقد تعرفت على متعة القراءة من خلال والدي -رحمه الله-؛ فقد كان مشتركا في مجلة "العربي" التي كانت تأتينا من عدن، وكان الوالد يحتفظ بكل الأعداد، وقد قُمت في نهاية السبعينيات بجمع هذه الأعداد وأهديتها لمكتبة النادي الأهلي، واحتفظت فقط بالأعداد التي تضمّنت مواضيع عن اليمن، سواء شماله أو جنوبه.

*أي نوع من الكُتب التي تقرؤها؟
- السٍير الذاتية بشكل عام، ومنها السيرة الذاتية للزعيم نيلسون مانديلا، وقد قرأت كتابه عندما زرت جنوب إفريقيا قبل عشر سنوات، وذهبت إلى الجزيرة التي كان يقع سجنه فيها، وظل فيه لمُدة 28 عاما، لا تزال كلماته عالقة في ذاكرتي عندما خرج من باب سجنه، وقال: "يجب أن نترك الأحقاد خلف بوابة هذا السجن، ونعترف أن البيض جزء من النسيج الإفريقي، وأن نتوجّه لبناء جنوب أفريقيا".

كما شدتني مذكرات الزعيمة الهندية الراحلة أنديرا غاندي، ومذكرات رئيس وزراء سنغافورة، وكيف بنى سنغافورة. وأتذكر أنه قبل عدة سنوات أهداني السفير السنغافوري النسخة الانجليزية من الكتاب، ثم أعطاني صديق النسخة العربية، وقد قلت للأستاذ عبد القادر باجمال -رئيس الوزراء السابق- أثناء توليه مقاليد الحكومة إنني أتمنّى أن يقرأ الوزراء هذا الكتاب، وكل واحد يستفيد منه في مجال عمله.

وقرأت بعض الكتب التي تحدثت عن حرب الخليج الأولى والثانية، وما كتبه حازم صاغية عن "العراق وحزب البعث"، بالإضافة إلى كتاب "الشاه وأنا" لأسد علم وزير بلاط الشاعر، وقد توفي قبل الشاه، وأودع مذكراته بسويسرا، وتنبأ بنهاية الشاه وحكمه.

كما قرأت أيضا كتاب جيمس بيكر عن حرب الخليج الثانية، وما ورد فيه أنه كان يتمنّى بعض المليارات، وإذا بأحد الحكام العرب يمنحه عشرات المليارات قبل أن يفتح فمه ويطلب المال. كما قرأت كتاب سهى بشارة المناضلة اللبنانية، ومذكرات الأستاذ سامي شرف، مدير مكتب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بعنوان "سنوات مع عبد الناصر"، وكتاب "خطة الهجوم" لمؤلفه بوب وودورد، وأتذكر منه حديث سفير إحدى الدول العربية لجورج بوش الابن وحثّه على سرعة مهاجمة العراق، حيث راهن على عدم حلق لحيته إلا بعد الهجوم، وأبدى قلقه من تأخر الهجوم حتى لا تكبر لحيته، وقد وعده بوش بأن لا تكبر، وكان الوحيد من خارج دائرة القرار الأميركي الذي أُبلغ ببدء حرب الخليج الثالثة عام 2003.

كما قرأت أغلب مؤلفات الأستاذ محمد حسنين هيكل، وما يخص منظمة التجارة العالمية ومراحل إنشائها، إضافة إلى الكُتب الصادرة عن مركز الدراسات والأبحاث اليمني عن ثورة 1948 وثورة 26 سبتمبر، ومُذكرات الشخصيات اليمنية التي صدرت منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا.

وأشتري الكُتب بشكل مستمر، وبالذات أثناء معرض الكتاب الذي يقام سنوياً في صنعاء، كما أعتز كثيراً بمن يهديني كتاباً، وفي مكتبتي كثير منها مٌهداة من أصدقاء أعزاء، والآن أقرأ مُذكرات الشهبانو فرح، إضافة إلى كتاب عن اقتصاديات الصين وكتاباً عن الاقتصاد السياسي ألفه د. جلال أحمد أمين وأقضي وقتا أمام الانترنت بشكل يومي منتقلا بين المواقع المختلفة إضافة إلى قراءة وتصفح الجرائد المحلية.

*هل كان يدفعك الوالد لدراسة تخصص ما؟
- أتذكر أن والدي كان يلبسني ثياب ضابط، ولم يكن لديّ ميولاً للعسكرية، وكنت أقول له إنني أريد أن أصبح طبيباً أخدم الناس وأعالج المرضى مجانا.

*متى بدأ يتبلور إدراكك السياسي؟
-في عام 68 - 69، انتقلت إلى ثانوية جمال عبد الناصر، وفيها تعرّفت على أصدقاء جُدد من آل السماوي، ومنهم المهندس أنيس ناصر ود . علي حمود، عبد المؤمن الحلالي، د. عبد الله الصلبة، الشيخ محمد المؤيد، أمين معروف الجند، والمرحوم عبد الملك أبو منصر، والمهندس إسماعيل محرم وآخرين.

وكان مدير المدرسة الأستاذ محمد عبد الله الشامي، المتّسم بالحزم، وهنا بدأت تتبلور ملامح إدراكي السياسي.

*هل انضممت إلى حركة القوميين العرب؟ وكيف تشكّلت ميولك السياسية الأيديولوجية؟
- بدأت علاقتي بالتنظيمات السياسية في مرحلة الثانوية العامة، حيث كانت هناك مجموعة من طلاب القسم الداخلي البعثيين والإخوان المسلمين ومجموعة قليلة من القوميين، وانضممت إلى حركة القوميين العرب في عام 1970 تقريباً.

*متى بدأت تشعر بالانتقال من حياة الطفولة إلى حياة الكبر؟
- في مرحلة الإعدادية، كان عمري حينها 14 عاما، وكان لدي وعى مبكرا، وأتذكر انه كان يدرسنا مدرسون من سورية ومن العراق، منهم الأستاذ راكان -رحمه الله- وهو مدرس سوري، أيضا أتذكر أول مرة درسنا فيها مع فتيات في فصل واحد، كانت إحداهن ابنة السفير السوري عز الدّين نعيسة والثانية ابنة السفير المصري محمد فؤاد عبد الميدي، والثالثة ابنة المرحوم محمد أحمد نعمان (أم هاني)، كنا زملاء في فصل دراسي واحد، ولم يكن مألوفا لدينا أن نشاهد فتيات كاشفات رؤوسهن ويلبسن بنطلونات، وأتذكّر كيف عامل المرحوم العلامة أحمد سلامة هؤلاء الفتيات بكل الود بخلاف الشيخ عبد المجيد الزنداني الذي أخرجهن من الفصل؛ لأنهن كاشفات رؤوسهن، وقد تضامنا معهن، وكان يقود حملة التضامن الدكتور علي حمود السماوي.
أتذكر أنه نشب عراك بين مجموعة من البعثيين والأخوان المسلمين، وكان عبد الملك أبو منصر يأخذ محمد المؤيد ويطرحه أرضاً والمؤيد يصيح "أحد.. أحد"، ومن المواقف الطريفة: أننا في الصف الثالث الثانوي كانت لدينا دروس عن الجهاز التنفسي والجهاز التناسلي، ونتيجة لعدم معرفتنا بالثقافة الجنسية استغرقنا وقتا يتجاوز حصتين في موضوع الجهاز التناسلي على خلاف الدرس الأخر الذي لم يستغرق سوى ربع ساعة أو نصف ساعة فقط.

في خدمة التدريس الإلزامي
*ما الذي لا تزال تتذكره عن مرحلة الثانوية؟
-أنهيت الثانوية العامة في العام 72، وقد كان هناك اعتقاد سائد لدى الكثيرين بأن الحصول على الشهادة الثانوية وبمعدل أو مجموع جيّد سهل في اليمن، وهو ما دفع بعض الطلاب المصريين إلى السفر إلى اليمن بعد أن روّج بعض الجرائد بنشرها:

"أنه إذا كنت تريد مجموعاً جيداً في الثانوية العامة فاذهب إلى اليمن"، وهو ما أثار استياء وزارة التربية والتعليم، التي كان على رأسها في ذلك العام الأستاذ المرحوم أحمد جابر عفيف، لذلك تم تعيين رئيس لجنة النظام والمراقبة الأستاذ علوي صالح السلامي، وأتذكّر أنه وضع لنا امتحاناً قاسياً، وهو ما لم أتمكّن معه من الحصول سوى على مجموع حوالي 65 بالمائة في الثانوية العامة، وكان محيي الدين الضبي، وكيل أول وزارة الخارجية حاليا، الأول على الدفعة التي كان عددها تقريباً 134 طالباً.

بعد حصولي على الثانوية العامة، قُمت بأداء خدمة التدريس الإلزامي، حيث درّست في مدرسة نشوان الحميري التي تعرفت فيها على الأستاذ عبد القدوس المصري ولطف الكستبان وأخيه عبد العزيز ومحمد يحيى اليدومي والمرحوم عبد اللطيف المصري، والتي استمرت حتى شهر يوليو من العام 1973، ولا أزال احتفظ بنسخة من امتحان مادة الرياضيات التي كُنت أدرسها آنذاك للصف الرابع الابتدائي، ويصادف أحيانا أن التقي ببعض الذين درّستهم ومنهم الأخ عباس الجرافي، ويشغل حاليا مدير النائب العام، وحميد عمر مدير مكتب قائد القوات الجوية.

ومن المواقف الطريفة: أنني التقيت بشخص صيف العام الماضي؛ فاجأني بقوله: "أهلا يا أستاذي، وكانت ملامحه تدل على كبر سنه، فقلت له أنا يمكن أخوك الأصغر؛ فقال لي أنت درّستني في مدرسة نشوان الحميري".

وكان من التلاميذ الذين درّستهم الصديق توفيق الخامري، وهو حاليا رجل أعمال معروف، والمهندس عبد القدوس المنصور أخيه محمد وأخته بلقيس، كما أتذكر أيضا أنني تعرفت في الثانوية العامة على آل مطهر من تعز، ومنهم صالح مطهر -رحمه الله- وكان هناك طالب من أذكى الطلاب الذين صادفتهم، وحين سألت عنه مؤخرا قالوا لي أنه أصبح سلفياً كبيراً، لكني لا أتذكر اسمه الآن.

بعد ذلك ذهبت إلى القاهرة، وقد سبقني الأخوة: محسن أبو لحوم، مطهر تقي، محيي الدين الضبي، محمد الجعدبي، حسين الرومي، نجيب عرمان، محمد النعامي، أحمد المعافا، محمد السمة، إبراهيم إسحاق وعبد المؤمن مطهر. وأتذكر أنني حين وصلت إلى القاهرة منتصف أغسطس 73، ذهبت للسكن في شقة الأستاذ محسن العيني في المتحف الزراعي، وكانت أول مرة أتعرف فيها على صديقي المهندس حسن العيني.

*ما الذي شدّك في القاهرة وأثار دهشتك؛ كونك لأول مرة تخرج من اليمن للدراسة؟
- القاهرة بالنسبة لي كانت بمثابة عالم جديد، أدهشتني أشياء بسيطة لم اعتد على رؤيتها في اليمن، مثل: إشارات المرور المضاءة في الشوارع، ونوعية الأكل، والنيل، والعمارات المطلة عليه، الدراسة في الجامعة، ومعرفة الكثير من الطلاب العرب، الاختلاط مع الفتيات والذهاب في الرحلات التي كان ينظمها نادي الوافدين العرب، وكنت أزور أصدقاء والدي المشير عبد الله السلال، اللواء عبد الله جزيلان من وقت لآخر. وكان المشير يسكن في مصر الجديدة، وفي أغلب زياراتي له كنت أتغذى بمنزل الصديق العزيز علي عبد الله السلال، ومعي الأخ عبد الواسع العلفي، وكان "يكلدنا" في الغذاء، لأنه أكله مسلوقاً، إلا أنه يعوضنا بالعشاء؛ كباب وكفتة وحمام –أحياناً- في مطاعم مصر الجديدة.

كما كنت أزور بشكل يومي الفريق حسن العمري، وبالذات عندما سكنت مع زميلي نجيب عرمان وأولاد عمه المرحومين: أحمد وأمين، في شارع النور بمنطقة الدُقي"، وأجد عنده الصديق الوفي حسين بن محمد المسوري.

* ماذا عن أول يوم لك في القاهرة؟
-أول يوم كان محل اندهاش، وأتذكّر أنني رأيت صورة لصديق لي وهو يحمل جيتاراً فاستغربت، وتساءلت متى تعلّم العزف على الجيتار؟ وأتذكر أنني قمت وصديقي حسين الردمي بجولة في القاهرة للتعرّف على معالمها وأحيائها الشهيرة، وزرنا يومها المرحوم أحمد أحسن السنيدار، وكان كريماً وودوداً.

محطة القاهرة
* ماذا تمثل القاهرة كمحطة مؤثرة في حياتك؟
-القاهرة في حياتي مرت بمرحلتين، الأولى مرحلة الدراسة، وقد تحدثت عنها، ثم مرحلة عملي في السفارة. لقد أتاح لي العمل في السفارة بناء علاقات جيدة مع الكثير من أبناء مصر العربية، وعملت على البحث عن بعض القادة العسكريين والمدنيين الذين شاركوا في الدفاع عن الثورة والجمهورية، ومنهم المرحوم محمد عبد الله "الحداء"، وعلى تحسين أوضاع الطلاب والدارسين والاهتمام بالمرضى والمقيمين، بالإضافة إلى نسج علاقات جيّدة بالسفراء العرب وبعض السفراء الأجانب.

وقد سعدت بالعمل مع الأخوة الدبلوماسيين اليمنيين من أمثال: السفير عبد الرحمن خميس (السفير الحالي في مسقط)، والسفير عبد السلام العواضي، محمد الهيصمي، عبد الله حسن العمري، الدكتور عادل علي الآنسي، جميلة علي رجاء، جميل السنحاني، فؤاد راصع، نبيل حميد الدّين، جمال شمسان، المرحوم د. أحمد الأعجم، رياض البريكي، أحمد بن أحمد صالح، د. صالح الشاعري، د. عدنان الرضي، العميد عبد الملك عشيش، الملحق الثقافي عبد الحكيم الفسيل، الملحق الإعلامي خالد السودي، وفي الأشهر الأخيرة تم تعيين الأخ العميد أحمد العقيلي ملحقاً عسكرياً.

بالإضافة إلى الأخوة والأخوات الأعزاء الموظفين المحليين من أبناء جمهورية مصر العربية، والذين لا زلت أحتفظ بالتواصل معهم في المناسبات العامة والخاصة، وكنت مع الأخ السفير الدكتور عبد الولي الشميري، المندوب الدائم حينها متعاونين، علاقتي به جيّدة.

*ماذا عن علاقتك بالجنس الآخر، هل تعرفت على سيدات؟
- كانت علاقتي بالجنس الآخر طيبة، وتعرفت على عدد منهن، لكنني لم أفكّر بالارتباط.

* متى بدأت دراستك في بريطانيا؟ وما الذي شدك للسفر إلى لندن؟
- كنت أرغب في دراسة اللغة الانجليزية، وكان أولاد الحاج يحيى السنيدار يدرسون في مدينة ليفربول، ووالدي -رحمه الله- حاول تحقيق هذه الرغبة لي؛ حيث طلب من صديق له كان يعمل في السفارة اليمنية في لندن أن يساعده في ابتعاثي للدراسة في بريطانيا، لكن هذا الصديق اختلق الأعذار لوالدي، وقد تحققت رغبتي في العام 76؛ حيث سافرت إلى بريطانيا لدراسة كورس انجليزي، وهناك تكشف لي عالم جديد ومشاهدات مغايرة ولافتة.

وقد تعرفت حينها على بعض المغتربين اليمنيين، ولاحظت أن نسبة كبيرة منهم لم تغيّر الغربة في سلوكهم وعاداتهم، إلا أنني أعتز بصداقاتي الممتدة حتى يومنا هذا مع الأخ عتيق الملاحي -رعاه الله- وغيره من الأصدقاء.

*متى فكرت في الزواج؟ هل كان ثمة قصة حب؟
- أتذكر أن زوج أختي المرحوم محمد عبد الله الجوفي كان يتردد على الحديدة من وقت لآخر، وفي إحدى المرات أعطاه جيرانه من بيت الخوجة قاتاً، وطلبوا منه أن يسلمها للأستاذ أحمد محمد صادق -رحمه الله- فسافرت معه للحديدة، وطلب مني تسليم القات، وحين طرقت منزل الأستاذ صادق، فتحت لي الباب فتاة صغيرة سلمتها القات وانصرفت ونسيت الموقف برمته، ثم بعد سنوات، وبعد تعذر زواجي بابنة خالي تذكرت تلك الفتاة، وطلبت من أختي أن تسأل ما إذا كانت مخطوبة لأحد. وبعد ذلك طلب والدي يد ابنة الأستاذ أحمد محمد صادق، واحترمت رغبته حين اشترط لموافقته أن يقابلني بشكل شخصي ويعرفني عن قُرب، وهو ذات الأسلوب الذي انتهجته لاحقا مع أزواج بناتي، بعد مرور 22 سنة.

وقد أثمر هذا الزواج عن ارتزاقي بخمس بنات، أربع منهن تزوجن، وأيضا ولد، زوّجته وابن أختي العام الماضي.

*متى بدأ اهتمامك بالعمل السياسي؟
- بدأ اهتمامي بالعمل السياسي منذ 69 - 70، حيث التحقت بالحزب الديمقراطي الثوري اليمني. وأتذكّر أنهم في الحزب أعطوني كُتباً لأقرأها، وهذه الكتب فتحت آفاقاً جديدة في اهتمامي بالقراءة، وكنت ألخص هذه الكتب وأقدمها أثناء الحلقات التنظيمية.

كابوس النكسة
* عاصرت نكبة حزيران، وأيضا حدث العبور في حرب 73، كيف تعاطيت مع الحدث الأخير؛ كونك كنت متواجدا في عاصمة الحدث؟
- جاءت حرب أكتوبر المجيدة في العام 73، وأنا في مصر. وأتذكّر أننا حين سمعنا أن الجيش المصري عبر خط بارليف شعرنا بالغبطة والفرحة، لكن في قرارة نفسي كنت متخوفا؛ لأنني كنت لا أزال متأثرا بترسّبات نكسة حزيران، وكنت يومها أسكن في حيّ المهندسين عند الأخوين أحمد وزيد المنصور، يومها كانت فرحتي لا تُوصف؛ حينما عرض التلفزيون المصري في اليوم التالي الجسور الممتدة على قناة السويس، والجندي البطل يرفع علم مصر على الضفة الأخرى.

وأتذكر أن روحاً من الحماسة الشديدة اجتاحتنا جميعا، وكان محسن أبو لحوم يحثنا على أن نذهب لنتبرع بالدم، كما كان يرغب في التطوع للقتال. أما بالنسبة لي فلأنني كنت مدنياً ولا أجيد استخدام السلاح، فقد تبرعنا يومها بالدّم.

ومن المواقف الطريفة أنه حين جاء دور زميلي حسين الردمي ليتبرع بدمه، وكان شديد النحافة على نحو لافت، رفضوا أن يأخذوا منه دماً، وقالوا له: "خذ قارورة الحليب وانصرف".

*لماذا مسيطر عليك كابوس النكسة؟ كيف تتذكر يوم 5 يونيو 67؟
- الخامس من حزيران هو يوم اكتئاب عندي، وأتخيل الساعة السابعة والنصف كيف بدأ الضرب، والمشير عبد الحكيم عامر في الجو، وكيف نزل في مطار القاهرة، واستقل تاكسياً متهالكاً إلى القاعدة العسكرية، أتخيل الجبهة السورية والأردنية عندما سقطت القدس الشريف، وتعزز هذه المشاهد في ذاكرتي ما بُث لاحقا من أفلام وثائقية من قناة "الجزيرة" أو ال"بي. بي. سي".
لقد قرأت عشرات الكتب عن هذه الهزيمة المريرة التي أضعنا فيها القدس والضفة، إضافة إلى سيناء التي تم استعادتها فيما بعد.

لمتابعة الحلقة الأولى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.