ذات مرة علق الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول على نقاشات مستفيضة حول الصين كبلد لا يزال متواضعا في قوته.. قائلا: لكن بلدا تعداد سكانه يربو على الثمانمائة مليون هو بلا شك قوة متواضعة جبارة..!! حينها لم يكن تعداد ذلك البلد الآسيوي قد تجاوز المليار وثلث نسمة، لكنه بمعدلات نموه الخرافية كان مصدر توجس الكثيرين، و التوتر المستدام بين الصين وروسيا باعثه الأساس تخوفات الروس من أن تنتج تلك الزيادة توسعا صينيا على حساب أراضيها، وهو توتر لما يصل حد الصراع المسلح، غير انه كثيرا ما نشبت حروب وصراعات بسبب الزيادة السكانية ومحاولة الاستيلاء على موارد الآخرين. تعداد سكان العالم الآن تجاوز السبعة مليارات نسمة، ويتوقع لهم بلوغ العشرة مليارات العام 2050 م، بعدما كان لا يتجاوز المليارين العام 1927م.. وقبلها في القرن السابع عشر لم يتعدَ ال (500) مليون قبل الثورة الصناعية..فأعداد البشر تضاعفت بمتواليات هندسية، في مقابل الندرة النسبية للموارد الطبيعية الملبية لحاجياتهم.. وفيما تقدر الزيادة السكانية العالمية السنوية بحوالي 77 مليون إنسان، فأكثر من ربع مليون نسمة تطأ أقدامهم الأرض كل يوم.. تحوز دول العالم النامي النصيب الأكبر من تلك الزيادة، حيث تتركز 50 % من هذه الزيادة في ست دول فقط: الصين، الهند، باكستان، نيجيريا، بنغلادش واندونيسيا.. لليمن نصيبها من الأرقام المهولة، وفي تقرير وزارة الصحة والسكان اليمنية قبل أيام، أن سكان اليمن يتضاعفون مليونا كل عشرين شهرا، وفي حين قُدرت أعدادهم العام 2012 ب 24 مليونا، يُتوقع لهم تجاوز ال 30 مليونا العام 2020، إذا ما استمرت نسبة النمو المرتفعة البالغة 3 % سنويا.. نسبة الخصوبة المرتفعة كمتلازمة لصيقة بزواج صغار السن، من أسباب الزيادة السكانية في اليمن كما غيرها من الدول النامية.. واستمرار النمو بهذه النسبة المخيفة يلقي ضغطا على توفير الخدمات والحاجيات في بلد يعاني أصلا ندرة في الموارد وتردي في مستوى الخدمات..ما يفتح المجال للتكهنات حول مآلات الحال على السلم الأهلي والاستقرار الاجتماعي، خاصة وأن زيادة السكان لا تفضي فقط للصراعات بين الدول بل للحروب الأهلية في ذات الدولة، ونشوء أحزمة الفقر في المدن كنتاج للهجرة من الريف إلى المدينة بحثا عن سبل العيش وخدمات الحياة العصرية. .. وفي وقت لا تنفك دول العالم المتقدم تلقي باللائمة على غيرها من دول العالم النامي، في تجاهل لحقيقة أن الإشكالية ربما لا تكمن فقط في الزيادة السكانية، بل في التوزيع العادل للموارد التي يحوز الفرد في العالم المتقدم على الحظ الأوفر منها.. لا يبدو أن العالم استطاع اجتراح حلا ناجعا سوى بجعل الحروب تقضي على أكبر عدد من البشر، سيما في الدول النامية حيث متوالية الإنفجارات السكانية، وهو توجه وإن خلا من أي سمة أخلاقية إلا انه لا تعوزه الواقعية ولا تنقصه الشواهد..ورغم أن الزيادة السكانية أنتجت كما هائلا من النزاعات والحروب، بيد أن الحروب كنتيجة للزيادة السكانية، صارت علاجا لها، فيما العالم أصبح يضيق بسكانه أكثر من أيما وقت مضى. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك