في رحم المأساة وغمرة الحرمان .. تنعدم الأمية ويموت الجهل ظمأً .. هناك في أرض القداسة مهد الرسالات وملتقى النبوات “ فلسطين “ .. تهيم النفس في خضم وضعها المتخبط ، احتلال وقتل وجوع وتشريد .. في تلكم الأرض يرسو العلم على شموخ الرؤوس ويجل ويحترم وينزه أن يوضع على شفير أرض دنستها أيادٍ آثمة ظالمة ، قلما نسمع عن إضرابات معلمين فيها لدواعٍ مادية ، بل أتجرأ وأقول عندما نسمع هكذا أنباء ، رغم ما تعانيه من واقع هو الأكثر إيلاماً إلا أن الأمية العربية فيها تحتل أدنى المعدلات ، لأنهم سقوا العلم عذب اهتمامهم وأكرموه خالص احترامهم ، فسموا على رغم الظروف القاسية .. فيا لهم من بشر !! الإضراب لدينا أصبح ثقافة راقية ، صار هو الرد الاستباقي لأي نقص مادي .. أدرك تماما أن الإضرابات وسيلة سلمية حضرية ، وسيلة لانتزاع الحقوق المستلبة ، ولأجل هذه الحقوق قمنا بثورة ورفضنا كل الممارسات الجائرة .. لكنها أحياناً تغدو وسيلة سلبية حينما يتعدى أثرها جدار المصالح ويمس قدسية العلم ومكانة طلابه . ليس عيباً أن تطالب بحقك بأي أسلوب مشروع وبأي شعار كان ، لكنك بحاجة إلى التوقف قليلاً للتفكر في جدوى ما تقوم به وأثره العكسي على الرسالة السامية التي سخرت جهدك ووقتك من أجلها ، وترعرع في كنفها أجيال وأجيال .. الإضراب ليس له ضحية عدا الطالب ، تحصيله العلمي واستيعابه الفكري ونفسيته المتقلبة ، هو وحده الضحية الحتمية . إنه لشيء مؤسف أن يكون العلم طرفاً في معركة سياسية أو صراع حزبي ، والأشد أسفاً أن يستدرج أهل العلم لهكذا معارك ، وأن يكونوا نهباً لسلب الحقوق وجور الأنظمة الحاكمة . أسمع كثيراً من المقارنات الظالمة ، بين معلمينا ومعلمي اليابان وأمريكا ، ونطالب لهم بما يتحصل عليه أولئك في بلدانهم من رعاية واهتمام ، دون أن نولي جانب الكفاءة أية مراعاة . فهناك فرق كبير بين معلم اليابان ومعلم اليمن من نواح عدة أهمها التحصيل العلمي والكفاءة المهنية والشعور بالمسئولية وامتلاك مقومات الاقتداء . أنا أول من يطالب بتحسين ظروف المعلمين وتلبية كافة متطلباتهم .. لكن ، هل كل المعلمين أهل لما سبق ؟ هناك من يستحق أكثر من ذلك ، لكن هناك من يجب أن يعاد إلى مقاعد التأهيل والتطوير وهناك من يجب أن يستبدل .. إذا كنا نطمح إلى تعليم مثمر ليس مجرد عبء. هل يضيرنا جميعاً أن نتحسس واقعنا المأزوم قليلاً وأن نتلمس له بعض الأعذار ، نظرا للظرف الصعب الذي نعيش فيه ، ونظراً للعجز الكبير الذي يلفنا جميعاً ؟ البعض يقول هذه حقوق ولابد أن تعطى .. أوافقك ، لكن هل بمقدور ميزانيتنا المحتاجة لفتات الصدقات الدولية أن تستوعب هذه المطالب ؟ هل صعب علينا أن نضع أنفسنا موضع أشقائنا في فلسطين ونتلمس أسلوبهم في الصبر والتحمل تقديرا للمصلحة العليا ؟؟ رغم كل ما ذكرت ، إلا أنني أدعو الحكومة كلية الاهتمام بالعلم كمنظومة علوية وتحسين حال مؤسساته من مدارس وجامعات ومعاهد . وأخص بالدعوة وزارة المالية ، عليها أن تجعل مستحقات أهل العلم في مصاف الاهتمامات فهم أولى من شيوخ القبائل ومتنفذي السلطة . وأشد على أيدي وزارة التربية والتعليم أن تسعى السعي الجاد والحثيث لتحقيق مطالب المعلمين وتوفير مستحقاتهم كاملة كي يتفرغوا لتربية النشء وإعداد الأجيال .. وأهمس في أذن كل معلم .. أنت يا سيدي أساس النهضة وعماد الحضارة ورافعة التطور ، لابد أن تعي أن إضرابك الطويل لأسبوع أو شهر لن يؤثر على قرار الساسة بقدر ما يضر أجيال العلم الذين ينهلون من علمك وفنك ويقتدون بك ، هم لن يأبهوا لقبح الساسة بل سيهزهم فعل منك غير محمود . طالب بحقك بكل حرية .. لكن لا تجعل تلامذتك ضحايا هذا العراك .. رابط المقال على الفيس بوك