تعج الحياة من حولنا وتضج بسحب سوداء من المواقف المؤلمة، التي تدمي القلب.. وكثيراً ما نتحدث لبعضنا البعض، أو على الأقل في قرارة أنفسنا عن سوء زماننا ، وسوء أخلاق ناس هذا الزمان ، وننعي بألم قيمنا ومبادئنا، التي أصابتها اللامبالاة والأنانية بمقتل.. وكثيرة هي هذه الصور والمواقف المؤسفة حتى كادت تصبح هي القاعدة ، وما سواها من خيرية وعطاء وإحساس بالآخرين هو الاستثناء .. فما عاد مستغرباً عقوق الأبناء لآبائهم، وما عاد مستقبحاً نكران الأخ لأخيه، وما عاد مستهجناً انتهاك الجار لحرمة جاره، فضلاً عن شجب العواصف الرعدية المدمرة للعلاقات الزوجية .. مما يجعل التفكير بوجود شكل من أشكال العطاء الإنساني المجرد أمر يقترب من المثالية المبالغ فيها ، ويجعل الاخبار عنه يقترب من الاستخفاف بعقول جمهور المستمعين .. ولكنها الحقيقة، فقد عايشت بنفسي هذا الاستثناء الرائع .. وأحببت أن أشاطركم هذا الشعور الجميل ، شعور بأمل يتجدد، ويقين يترسخ بحكمة الخالق ورحمته .. ومصدر هذا الإحساس هو قصة في غاية الروعة، كتب فصولها وأخرجها شابٌ في ربيع العمر، وشيخٌ مقعد في خريفه، حيث كان هذا الشاب بالأمس يبكي بكاءً مراً لفراق الشيخ المقعد المريض، الذي وافاه الأجل المحتوم، بعد عامين من المرض والعجز.. كان هذا الشاب المترف المنعم في ظل أسرته الميسورة هو من يعتني بذلك الشيخ المقعد ..! وما كان يكتفي بأن يطعمه ويسقيه وينظفه ويغير له الحفاظ كلما لزم الأمر، بل كان يسامره ويداعبه، ويرشده إلى كيفية أداء الصلاة (حرصاً منه على حفظ دين الرجل وأن تحسُن خاتمته) ،مع انشغاله بأمر دراسته الجامعية واستذكار المحاضرات والدروس وما إلى ذلك.. والمفاجأة في الأمر أنه لا توجد أية صلة قربى تربط بين الاثنين..! وإنما مقادير ربانية تتجلى فيها حكمة ورحمة الخالق سبحانه ..!! فمنذ سنوات حيث كانت الصحة تدب في جسد هذا الشيخ استأجر دكاناً من أهل ذلك الشاب، يعود إليه آخر النهار يجر إليه بقايا روح، فما كان له زوجةً ولا أبناءً ولا أقارب، سوى أخ يعيش خارج البلد.. وليختم آخر فصول حياته بتوقيع هذا الشاب إلى ألزم نفسه رعاية ذلك الشيخ طوعاً لا كرهاً، وبدون أية حسابات منفعية أو مصالح محتملة .. وأية مصالح يمكن أن تعود من وراء رجل مقعد مريض ولا يملك من حطام الدنيا شيئاً يؤمل .. و(رب ولد ليس من صلبك).. أخيراً اسأل الله أن يحفظ شبابنا ويهديهم إلى مكارم الأخلاق .. رابط المقال على الفيس بوك