لم أعد أفهم أي مأزق دخلت فيه اليمن .. ألا تلاحظون أن الجميع اليوم (إصبع على الأوراق وإصبع على الزناد) ومع ذلك تجد الكل يصرون على أن نبحث عن المستقبل بين الركام. مؤسسات الدولة في بعض المحافظات تتعرض للنسف والتدمير, وجنود أبرياء يتساقطون واحدًا تلو الآخر .. ومواطنون يتعرضون للقتل المروّع وهم في خيمة عزاء .. جاءوا يقولون لبعضهم: (البقية بحياتك) في وفاة قريب لهم, فلحقوا بالمرحوم ولم تبقَ للجميع حياة!!.. وقبلهم في مستشفى العرضي حضر أناس في الصباح الباكر بحثًا عن جرعة دواء ففوجئوا بكؤوس الموت التي أُجبر الطبيب والمريض معًا على شربها جرعةً واحدة. وفي صعدة يمنيون مثلنا قيل: إنهم أكلوا أوراق الشجر بفعل الحصار الذي يقعون تحته من عدة أسابيع, ولا يزالون تحت القصف بمختلف أنواع الأسلحة .. هناك حيث يقتل اليمني أخاه, ولا يأسف عليه, وإنما يصرخ قائلاً: الله أكبر!! اليوم القتلى في بلادنا جثثهم تتعفن .. والقاتل يفقد أي معنى للإنسانية .. بل ليته كان مثل أبيه قابيل فيقول: (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي). العنف اليوم هو سيد الموقف .. فهناك من يحشد له .. ولها كثير من المهللين والمرحبين للحرب الذي يفرّغون بتشجيعها كثيرًا من طاقاتهم العدوانية وكراهتهم للآخر .. واليمنيون يسقطون فيها كل يوم بالعشرات .. ومع ذلك يا أصحاب ربطات العنق: ألا تهتز لكم شعرة؟! تتناحرون على عدد الأقاليم وتوزيع الثروة, وبساط الدولة ينسحب كل يوم من تحتكم!! .. !! إن الحكومة تقف اليوم على أكشاش بيع الصحف لقراءة أخبار الحرب في دماج مثلما يقف المواطنون.. ولا تزال حتى الآن معهم في انتظار من ستكون له الغلبة في دماج؟ .. هل هذه هي الحكومة؟ اليمن يا هؤلاء ليست عنقاء أسطورية حتى ننتظر منها أن تنتفض من بين الركام وتولد من جديد. من المستحيل أن يتشكل اليمن الجديد من هذا الواقع الدموي المليء بالقتامة .. المستقبل لا يتخلق إلا في رحم آمن ومهيأ صحيًا .. وإن خرجتم بحلول توافقية فإن دماء الأبرياء التي تذهب ضحيةً لهذا العنف السائد كل يوم ستظل لعنتها تطارد أي مجموعة أو شخص كان نصفه في الجبهة ونصفه الآخر في موفنبيك صامتًا أو محرضًا أو مبررًا وملتمسًا العذر لمن لا يستحقه. أيها العقلاء المجانين: اصدقوا مع هذا الوطن بإيقاف آلة الحرب أولاً .. يكفينا مزيدًا من الدم المسفوح. لا بد أن يبحث المتحاورون أولاً في موضوع كيفية إيجاد الدولة التي ستقوم بالتأسيس للمستقبل الجديد وستحميها بقوتها وهيبتها وسلاحها ومؤسساتها, قبل أي حديث عن الشكل المستقبلي لهذه الدولة. ها أنتم ترون في حالة اللادولة كيف صُعب على الجميع أن يتوصل إلى الفاعل الحقيقي في حادثة اقتحام مجمع وزارة الدفاع, مثلما هو الأمر في حوادث إجرامية سابقة .. وربما سيلحق بهذا الغموض أيضًا غموض آخر حول حادثة مقتل مواطنين في خيمة عزاء في محافظة الضالع .. إذن فلنقل مرةً أخرى: أوجدوا الدولة أولاً ثم تحدثوا عن شكلها المستقبلي .. وتذكروا قول الشاعر أحمد مطر: (تفقأ العزة عين المستحيل) .. العزة لا الضعف والخذلان والعمى. * نعم لمسيرة السلام “صنعاء – صعدة” تحيةً للشباب الذين عزموا على أن يرتحلوا بصدورهم العارية لإيقاف الحرب في دماج .. في اعتقادي إن هذه الخطوة هي آخر بقعة ضوء يمكن أن يكتب الله بها خيرًا وتقف آلة الحرب. على الشباب اليوم أن يعرفوا أنهم القوة الوحيدة في الساحة التي يمكن أن تفرض ما تريد على الجميع بقوة الخوف على مستقبلهم .. وليعلموا أن من يشعل الحرب إنما يريد أن يقطع الطريق على الشباب من أن يتحقق لهم ما ضحوا من أجله. نحن ننتظر منكم أيها الشباب: أن تعلنوها مدويةً: لن يتحقق مستقبل وآلة القتل لم تتوقف حتى اليوم. المستقبل الذي سيضم الجميع ولا يُقصي أحدًا تصنعه الورود والقلوب البيضاء لا الورود المعطرة برائحة الدم. [email protected]