كل الوقت أو معظمه جرى استغراقه في البحث عن حلول لأزماتنا المسترسلة في التعقيد، لكن ذلك لم يحول دون إيقاف زحف المشاكل والأزمات أو الحد من طغيان تبعات ماّسيها على المشهد العام للبلد؛ بل لقد أخذت الأزمات تتموضع كمشروع روتيني للأحزاب والجماعات والقبائل المتسلحة بحزم الغرور والعنجهية وحماسة إسقاط مهابة السلطة ولي أذرع قوانينها بنشوة فائضة واستبسال عجيب. ما الذي ورثته الثورة عن النظام السابق عدا دولة انهارت صلابة نفوذها, وجسارة حضورها المتين على إيقاع نخر الفساد والمعالجات الخاطئة للأزمات حتى أصبح حجم نفوذ إحداها يفوق نفوذ الدولة في مساحات شاسعة من التراب الوطني! لقد فشلت السلطة فشلاً ذريعاً في ترويض رؤوس الأزمات.. من المؤكد أنهم الآن يجلسون على طاولات موفمبيك للتحاور في الوقت الذي تقلب أذيالهم وعصاباتهم الطاولة على رمزية الدولة وقوانينها مستغلين فراغاتها في بعض المناطق للامتلاء بها، ومن ثم تحويلها إلى ثكنات ومراكز انطلاق نحو التهام المزيد من الجغرافيا الوطنية؛ فيما السلطة واضعة كل بيضها في سلة موفمبيك! لا أتصور أن بمقدور نسور الخراب تطويق موفمبيك في غضون أيام, ورغم ذلك تتصاعد خشيتي من أن تطول فترة التحاور إلى حين لا تفيق السلطة إلا على حقيقة صادمة: لم نعد نحكم قبضتنا سوى على امتار معدودة خارج منطقة العاصمة.. نحن بحاجة ماسة إلى من يحمينا! أن أقسى ما يمكن أن يعترض دولة أي دولة ترغب في اجتياز حلقة الانزلاق نحو الفوضى؛ هو إفاقتها على حقيقة العجز في مجرد تثبيت هذه الرغبة تمهيداً للانطلاق نحو تحقيقها؛ وإن افظع ما يمكن لمواطن دولة تخيله هو انكماش مساحة دولته وتقلصها لحساب نفوذ سباع الفوضى ونسور الخرب! من المحتمل جداً منطق الأماني لم يعد يفي بحاجتنا لمواصلة الرهان على الدولة في اجتياز حلقة الانزلاق نحو الفوضى الشاملة، والتي تتوسع هوتها يوماً بعد يوم ويتكاثف أنصارها بصورة الجراد المنتشر؛ ذلك أن الدولة التي تتراخى في إحكام قبضتها على التراب الوطني, وترفع سباع الفوضى إلى مقامات الندية معها هي أدعى إلى أن تكسر أمل مواطنها وتجهز على ثقته بها على نحو قاتل ! إن مزيج من الخيبة والرجاء هو ما يفتك بنا الآن؛ إذ أن قراءتنا للمستقبل مرهونة بغلبة أحدهما على الآخر، وفي حين أن منسوب الخيبة يرتفع باشتعال الأرض تحت أقدام الحكومة شمالاً وجنوباً فإن متوالية الخشية من المستقبل تحيي فينا الرغبة في ابتكار أي وسيلة تدفع بنا بعيداً دون الانخراط فيه, أو تنسم هوائه المسموم بروائح الدم والبارود! [email protected]