أشعر أنني ولدت على سفح بركان السياسة ,واتذكر انني صليت أولى ركعاتي في محرابها المحترق .. كان ذلك بنية الدعاء لهذا البلد بأن يتعافى من دوامة الماّسي والكوارث التي ما عهدناها تعرف طريقا لها ... إلا إليه! لا أدري ما إذا وجدنا على هذه الحياة بفائض رجولة ,أم ان السياسة قدرنا نحن اصحاب هذه البلاد ولا اعتبار للجنس والمستوى العمري والثقافي .. وحتى الاعاقة الذهنية ! هنا لا يشترط لكي يطلق عليك “ سياسيا” أن تكون عضوا في حزب أو منظمة سياسة , وأن توقد لأفكارك على إيقاع التحفيز الحزبي , ولا أن تعتلي منصات الخطابة ,ولا أن تتصدر واجهات المجلات والصحف , ولا أن تعقد المؤتمرات الصحفية وتشرح للناس كارثة الحاجة المستمرة للسلطة لإقصائك ونفيك وتداعيات ذلك على مستقبل البلاد والعباد , واذا كنت في السلطة اطلق سلسلة من الرسائل المفزعة للناس عن مساوئ التمرد وهمجية المعارضة رغم ما يشاهدون امام اعينهم من اعمال فساد واستباحة وسطو منظم لمقدرات الدولة مرغبا بالفتات , ومرهبا بالقوة أحيانا وسيف الشريعة في أحايين مختلفة عبر الاستعانة «بلحى ,وذقون» تربت على يديك وعاف أصحابها إزالتها كونها صارت المدّر لحليب ضروعك المتفرعة في زمن خُيّر فيه رجل الدين بين أن يكون ذيلا لبغلة السلطان أو يصير ارهابيا مهدور الكرامة والدم ! الكل مسيس في هذه البلاد ,نحن مسيسون من المهد الى اللحد ؛ حتى الموت حين يداهمنا في الغالب يأتي بنكهة سياسية تفوح رائحتها بعد انطفاء الروح , معظم من قتلوا أو ماتوا جوعا او قهرا , في هذه البلاد هم ضحايا الأزمات السياسية التي تمثل المفتاح لكل حرائقنا المترامية .. يلقي الصراع السياسي بتباعات ارتداداته على مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والامنية فيسقط البلد على إثره في مستنقع الاختلال الكبير ! مذ وعيت لم أكن أفضل لعب الاطفال على الجرائد السياسية ,وفي أول مرة وقع «الريموت» بيدي رحت أقلب القنوات الفضائية بحثا عن خطاب سياسي لصدام حسين ! معظم وسائل الإعلام بتفرعاتها مقروءة ومسموعة ومرئية تعمل في حقل السياسة , لا أحد هنا يهتم بجديد عالم الطباخة وأدوات التجميل .. كل صحيفة أو مجلة تشذ عن السياق المرسوم ستجد نفسها بائرة في الأكشاك تتطلع بعين الحسد لأخواتها المثقلة بأخبار الحرائق السياسية و تتمنى في “ سرها “ لو انها تملك ساقين ؛ لكي تدس نفسها وسط أخواتها طمعا في مسيس يخلصها من ربقة أسر القعود والانتظار الممل , وروتين الترتيب وتنظيف عوالق الغبار .. كل صباح ! وهبنا السياسة كل أوقاتنا ,وأكسبناها جل اهتمامنا غير أنها في النهاية ماعادت إلينا بسوى الخراب والموت. تحضر السياسة في بلدان العالم المترامي كفن ووسيلة تنافس من أجل البناء باستثناء بلدنا الذي يفهم السياسة على انها المفهوم الناعم للكذب والدجل والمكر والتاّمر والخداع والاندساس والخبث والكحولة ! صدقوني : لا اشفق علينا إلا بقدر خشيتي من أن نفنى يوما كشعب ويفاجئ العالم بخرقة بيضاء فوق سماء الوطن تحوي سهما متدليا باتجاه الأسفل تذيله عبارة ... قتيل السياسة ! [email protected]