كتب/ د. ناصر محمد ناصر من الملاحظ أن حرب صعدة الأخيرة قد دفعت بالخطاب الرسمي نحو التشدد ليس ضد الحوثية فقط، وإنما ضد كل أطراف الطيف السياسي، لدرجة انه يمكن قراءة طبيعة المعادلة السياسية الداخلية، والتحالفات الدولية، والإقليمية، والمعادلة السياسية القائمة في الشرق الأوسط، والتي تعد حرب صعدة ضلعاً في قوامها من خلال معطيات هذا الخطاب، فيا ترى ما دلالة وما مغزى هذا التشدد في الخطاب الرسمي؟ وما مدى واقعية هذا الخطاب في تعامله مع الحرب؟ وهل هذا الخطاب يدرك التداعيات الاقتصادية والسياسية لاستمرار هذه الحرب؟ وما هي القوى التي تقف خلف قوة هذا الخطاب؟ للإجابة على هذه الأسئلة دعونا ننظر في الآتي: الذي أريد أن أؤكد عليه ابتداءً هو أن هذا البلد هو بلد واحد، وفي البلد الواحد، لا ينبغي أن يكون هناك سوى دولة واحدة، وسلطة واحدة، وجيش واحد، بصرف النظر عن مدى سلامة أو رداءة السلطة الحاكمة له، إذ لا يمكن أن تستقيم الأمور مع وجود رأسين لجسد واحد، وفساد السلطة وتسلطها، يعطي الجميع حق الاختلاف معها، ومقاومتها، ولكن بالطرق السلمية، ولكنه لا يعطي أحداً حق رفع السلاح في وجهها، لأن في ذلك خراب الدولة وفساد المجتمع، سيما إذا كان هذا البديل المقاوم للسلطة أكثر رجعية وتخلفاً منها وذا منزع مذهبي وسلالي أومناطقي، كما هو حال الحوثية، والتشطيرية الانفصالية. وإجابة على ما أثارته الأسئلة أعلاه، فإن من الواضح هنا أن الخطاب الرسمي بدا اليوم أكثر تصميماً على خوض حرب طويلة، قد تمتد لسنوات، كما أبدى هذا الخطاب تصلباً تجاه المعارضة وتجاه قوى المجتمع المدني، بالذات شريحة الصحفيين، ووضع الجميع في مرمى استهدافه، في حين أن أبسط الحسابات الموضوعية تحتم على المرء ألا يخوض حربين في وقت واحد، وألا يفتح أكثر من جبهة في نفس الوقت. إن انتهاج النظام لهذا الخطاب المستهدف للجميع يشير إلى أن النظام يرتكز على قوة صلبة، يرى أنها ستمكنه من تجاهل، وتخطي، وتجاوز الجميع، والتغلب عليهم. فيا ترى ما هي هذه القوة التي يستند إليها النظام؟ غالب ظني أن هذه القوة لا وجود لها في الداخل، فمؤشرات الجبهة الداخلية جميعها لا تشي بوجود مثل هذه القوة، فعلى الصعيد الاقتصادي من الواضح أن الاقتصاد مهدد بانهيار شامل، فتقرير البنك المركزي الأخير يشير إلى أن اليمن فقدت 20% من حجم احتياطياتها النقدية خلال السبعة الأشهر الأولى من هذا العام. وهذا يعني أن اليمن مقدر لها أن تخسر هذا العام وحده ما بين 35- 40% من حجم احتياطاتها النقدية، الأمر الذي يعني أن الخزينة العامة ستصبح مهددة بالإفلاس في ظرف ثلاث سنوات على أكثر تقدير. وعلى الصعيد الاجتماعي والسياسي لا يبدو الوضع أكثر اطمئناناً، فصحيح أن الحراك في الجنوب لم يعد له حراك، لأن محرك الحراك وهو النظام السعودي قرر تجميده ووضعه في الثلاجة، ربما إلى أن يتمكن النظام من تصفية الجيب الإيراني في صعدة، لكن هذا لا يعني أن المشكلة في المحافظات الجنوبية ليست موجودة، أو أنها قد انتهت وباتت في عداد الماضي، فالمشكلة لها جذور اقتصادية وسياسية، وهذه الجذور لا زالت عالقة، ولم يقدم النظام على اقتلاعها واستئصالها، الأمر الذي يعني أن المشكلة قابلة للانفجار في أي وقت. وعلى صعيد العلاقة مع المشترك من الواضح أن لا أرضية مشتركة بين النظام والمشترك يمكن الارتكاز عليها، فلكل من الطرفين برنامج وتوجه مضاد لبرنامج وتوجه الآخر. وبما أن التحليل أعلاه يوضح بجلاء أن لا قوة للنظام يرتكز عليها على صعيد التراب الوطني، فلا بد أن تكون هذه القوة هي قوة الإرادة الدولية والإقليمية، المتمثلة تحديداً في التحالف الأمريكي السعودي الساعي إلى محاصرة التمدد الإيراني، فالحوثية لا يعقل أنها قد صمدت أمام النظام خمسة حروب بالإضافة إلى الحرب الجارية بإمكانياتها الذاتية، الذي لا شك فيه أنها تتموضع في نفس المربع الذي تتموضع فيه كل من حركة حماس وحزب الله اللبناني، كأذرع ممتدة للنظام الإيراني، ومن الجلي والواضح أن من مصلحة النظام الإيراني إبقاء جميع هذه الملفات مفتوحة في المنطقة، من أفغانستان إلى لبنان وفلسطين مروراً باليمن، كجبهات ومشاغل على الولاياتالمتحدة وحلفائها التعاطي معها والعمل على حلها وتسويتها، قبل أن تتفرغ للملف الأساسي الذي يهدد أُسس إستراتيجيتها في الشرق الأوسط ووسط آسيا، ألا وهو الملف النووي الإيراني. وهذا يعني أن النظام اليمني في حربه على الحوثية وفي ثقته من قدراته على مواجهة جميع معارضية يستند إلى هذه الحسابات، وإلى النفوذ السياسي والدبلوماسي الطاغي للولايات المتحدة، والى إمكانيات الخزينة السعودية، ولكن السؤال المحوري الذي أريد طرحه، والذي ربما يترتب على نتيجته تحديد مصير النظام، وربما مصير وبقاء الدولة اليمنية، والذي أريد من الجميع محاولة الإجابة عليه، هو: ماذا لو أن تداعيات الحرب وتداعيات الأزمة السياسية، أديا إلى إفلاس الخزينة اليمنية، وانهيار سعر الريال اليمني، هل بوسع الولاياتالمتحدة وحليفتها السعودية حينها أن تتدخلا لإنقاذ الريال اليمني، وإنقاذ الاقتصاد اليمني، وإنقاذ النظام الذي ربما يترتب على سقوطه سقوط اليمن في دوامة التفكك والفوضى والاحتراب؟ أترك الإجابة على هذا السؤال مفتوحة، آملاً ممن له القدرة على التفكير أن يفكر في النتائج والتداعيات المحلية، والإقليمية، والدولية الخطيرة، المترتبة على القضية موضوع هذا السؤال. [email protected]