ما كان هذا حالنا....!! ما كنا نعيش بهذا الوضع الغريب، الذي تنقلب فيه موازين كل شيء، والجميع يهزّون رؤوسهم لكل شيء، ويسيرون كالعميان وراء أي صوت، ربما لو كان بيننا لتألم، ولكان ألمه أضعافاً مضاعفة لألمه في أيام جهاده ودعوته، على الرغم من كل البلايا والمصائب التي واجهها حينها، لأنه كان في بداية جهره بالدعوة، وإقامته لعقيدة ودين سيحمل لواء أمم في الغد القريب، لكن وبالرغم من كل ذلك لو كان بيننا اليوم لكان ألمه مضاعفاً، لأننا وصل إلينا الدين بكل بساطة ويسر، ولم نحارب الكفار بالسيوف، ونموت عطشاً في الصحارى، ويُقتل أهلنا وأولادنا، ونهاجر للحبشة وللمدينة، ونُعذب ونُقتل ونهب ما نملك لذلك الدين. الدين الذي لم نعرف منه إلا صلاة الجمعة والعيد مع الجماعة هذا عند الأغلبية، والغبار بات مغطياً للمصاحف التي لا تُفتح إلا في رمضان، وغالباً للمفاخرة فقط والرياء، والاغتيالات التي تطال الكبير والصغير وبدون رقيب ولا حسيب، ليتحول دم الإنسان الذي إن أهدرت قطرة منه اهتز عرش الرحمن، بات اليوم أقرب لمجرد علبة بيبسي فارغة، تُلقى وتُداس، والشيع والأحزاب التي بتنا ندين لها أكثر من ديننا وربنا ورسولنا وووو.... كم كان سيتألم ذلك الرسول العظيم؟! إن لم يكن يتألم الآن أصلاً، لأننا - أعني البعض منا - يستحضر وجوده معه في كل مكان وموقف، وأنا من هؤلاء الناس، ولولا هذا الإحساس، هل كان لنا أن نستمر ونصمد في هذه الأوضاع، ومع كل ما مر بنا ونمر به؟، فكل موقف في سيرته يعد درساً في الحياة لو طبقناه لعشنا بأمان على الأقل، لتحمل كل واحد منا الآخر، ولعرفنا معنى الإيمان بحب الوطن. فلم يترك الرسول لنا شيئاً لن يعلّمنا إياه، حتى على مستوى التعامل مع الحيوانات والجوامد، حتى على مستوى أبسط التفاصيل التي تخص المأكل والمشرب والمسكن،والتعامل مع الجيران وكبار السن والمعاقين والجهلاء والأطفال والفقراء والمساكين والعمال والمعلمين والحمقى وحتى المنافقين. فعندما يجرحني أحد أو يظلمني ويسلبني حقي أتذمر واستحضر موقف الرسول وهو يُرجم في الطائف والدم يتصبب من قدميه، ومع ذلك يقول لجبريل: لعله يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله, وعندما أطبخ شيئاً على النار، أسمع صوته يقول: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وأطعم جارك، وإذا حلت بي مصيبة تذكرت قوله: اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي بخير منها، وإذا أصبت بحمى تذكرت قوله: إنها من نصيبي من النار، وإذا خاصمني أحد حتى لو كان مخطئاً وفاجراً في خصومته لي، تذكرت أنه لما انقطع اليهودي عن أذاه ذهب لزيارته وتفقده، وإذا رأيت ما يغضبني ويجعل الدم يغلي في عروقي تذكرت تحذيره من أي غضب لا يكون إلا لحد من حدود الله، وإذا غرتني مظاهر الدنيا، تذكرت أنه كان يربط على بطنه من شدة الجوع وأنه كان بيديه يرقع ثوبه و يخصف نعله، وإذا شعرت بأن القريب صار بعيداً، وأن القلوب تحولت إلى مجرد حجارة تذكرت أنه عاش يتيماً من كل قريب ابتداءً بأبيه وأمه وجده وعمه وحتى حبيبته خديجة ثم أولاده جميعاً، وإذا رأيت الجبابرة يتجبرون على الفقراء، وولاة الأمر يعيثون في وطننا فساداً، تذكرت أنه شُرد وعُذب وهُجّر من قبل أعمامه وأهله، لكنه عاد إلى مكة وجعل منها قبلة للبشر ما دامت الدنيا، وهو يقرن حب الوطن من الإيمان ووووو. اجعلوه قدوة لكم، وصديقاً مقرباً، ومعلماً مرشداً، وستطمئنوا في حياتكم وتقنعوا وتسعدوا وتصبروا وتحبوا وطنكم، فلن يعلمكم أحد غيره، هذا صلّى الله عليه وسلم.