«أيها الواقفون على حافة المذبحة اشهروا الأسلحة, المنازل أضرحة, والزنازن أضرحة, والمدى أضرحة, فارفعوا الأسلحة واتبعوني», بالفعل لم يكذب الشاعر الكبير أمل دنقل حينما قال: هذه الحروف النازفة ألماً, ومن بعده حالت علينا المصائب واسودت الأحوال والمصاعب وتناسل الأنذال ومفتعلو الجرائم ووصلنا إلى هذه المرحلة من الأدخنة وزمن تناثر الضمير الإنساني وتبعثر الولاء الوطني كدقيق في ريح عابثة وصرنا وبكل نزف نحمل قبورنا على ظهورنا أينما ولّينا وحلّينا وأينما يمّمنا وجوهنا المنهكة شطر وطن قد ناء بأحمالنا وببذاءات سياسة حولته إلى مذبحة كبيرة نحن وقودها وحطب سعيرها وكباش فداء للرؤوس الكبيرة مجازاً، إنما فعلاً لا تحمل رؤوسهم إلا قشاً وعدم ولاء لوطن مازال يتحمل كل حقاراتهم.. وصلنا وبكل أسى إلى مرحلة ساردة من اللا سلام واللا حرية واللا أمان من شتى الجوانب. وكما تعودنا دائماً أن ما يقال بالألسن تنفيه الأفعال ونسير بشكل عكسي في كل قناعاتنا, نسمع ثرثرات هنا وهناك تطالب بوطن للسلام وشعارات تُرفع وأخرى تنزل تطالب بوطن للعدل والتعايش مع الآخر بينما واقع الحال يثبت العكس وتفقد كل هذه الشعارات مصداقيتها أمام كل ما يحدث من عبث وهمجية وهدم لكل مقدرات الوطن، أرضاً وإنساناً. نطلب السلام ونؤجج للحرب في كل مكان, فالمنبر يشحذ والإعلام يؤجج والمدرسة تنفر والشارع يفتك والبيت يشتت وبالتالي صار الواقع المعاش كله حرائق ألغام لم تعد موقوتة بقدر ما هي شظايا صارت مغروسة على ملامح كل واحد منا وأنتجت لا سلاماً نفسياً ولا سلاماً معيشياً ولا سلاماً مجتمعياً يعيشه المواطن اليمني وأصبح يغوص في مفردات عديدة من الصراعات النفسية والتي تظهر آثارها جلية في حقيقة تعاملنا وحقيقة تنافرنا من بعضنا البعض ولغة الغلظة والبطش المرعبة التي تسيدت علينا ونفور كل منا من الآخر وتصنيف كل فرد حسب حزبه وقبيلته وجماعته وطائفته وعشيرته ومنطقته.. إلخ وأيضاً الجرائم العنيفة التي صارت تحاصرنا من كل الجهات والتي ما كنا نعرفها أبداً لولا هذا اللا سلام النفسي الذي صار يحتل كل واحد فينا ويجعله يتوجس من كل شيء حوله ويحسب له ألف حساب وبكل اللغات المتوقعة وغير المتوقعة سواء من سباب ومن شتائم ومن تلفيق ومناكفات وادعاءات وتعنت وقتل واغتيال .. الخ.. من صور وأشكال البغض وأكل لحم الأخ لأخيه والذي صار عيني عينك وبكل أشكال التوحش والرعب. قضيتنا كشعب منكوب فاقت كل القضايا الإنسانية والحقوقية والنفسية والوطنية والاقتصادية, هي قضية شعب أنهكه الفقر والأوضاع الاقتصادية الرديئة وشتت حظه المجون السياسي الصلف الذي رتب أولوياته على خدمة المناصب وأوغل في تأجيج الشر و بتر لغة السلام ونشر ثقافة البغض والألغام الأشد شراسة وترك المواطن يلوك المعاناة بكل شكل ولون ويشنق نفسه بحبل الظروف المتعدد الأحجام ويشنق غيره بكمية الأحقاد، سياسية مؤدلجة مزروعة فيه لا مصلحة لها إلا قتل كل ما تبقى فينا من ولاء وطني لتربة اليمن. وبالفعل كيف نطلب السلام والأمان وكل ما حولنا ومن حولنا ألغام مفخخة وعقول مفخخة وأفعال مفخخة ونيران وأحقاد وشرور وأضرحة ومقابر مازالت تستقبل فيها ضحايا مصالح ومناصب سياسية مازالت تجر الوطن إلى حافة المذبحة؟.