عقب انتهاء مراسم الاحتفال بتوقيع وثيقة مخرجات الحوار الوطني قبل يومين سألتني إحدى مذيعات قناة سبأ الفضائية عن انطباعاتي بشأن دلالات وثيقة الحل والتسوية التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني .. وقد أجبتها بأن اليمنيين من فرط المفاجأة لم يستوعبوا حتى الآن اللحظة التاريخية التي صنعوها ووضعتهم أمام استحقاقات الحاضر والمستقبل وحررتهم من حدة الأزمة الخانقة التي حاصرتهم طيلة السنوات المنصرمة والتي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس! وبصراحة أكثر، فإن هذه الصدمة لا تزال مؤثرة وطاغية على تفكير اليمنيين وتضع تساؤلات المفاجأة والدهشة عمَّا إذا كان حقاً قد توصل المتحاورون إلى هذه الصيغة التوافقية لوضع الوطن مجدداً على قضبان عربات القطار بعد أن أصابه الخلل وكاد أن يخرج بجميع عرباته وراكبيه إلى منزلق خطير؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد أضغاث أحلام ؟! والحقيقة، فإن هذه الدهشة أو الصدمة لم تقتصر – فقط – على أولئك المتفائلين بإمكانية التسوية من داخل وخارج مؤتمر الحوار وإنما طالت كذلك القوى التي ظلت تراهن على فشل المتحاورين في التوصل إلى خاتمة توافقية ترضي كافة الأطراف وتعالج مختلف القضايا والشائكة منها على وجه الخصوص ، بل أن تلك القوى كانت تتمنى انفجار الحوار من داخلة في إي لحظة من اللحظات ! ولست أبالغ إذا ما قلت أن أيضاً هذه الدهشة أو الصدمة لم يقتصر تأثيرها على مختلف الأطراف اليمنية المؤيدة منها والمعارضة لهذا الإنجاز التاريخي وإنما أمتد أيضاً إلى الأوساط الإقليمية والدولية التي لم يصدق بعضها حتى الآن هذه القدرة التي تحلى بها اليمنيون وهم يتغلبون على التحديات والعقبات التي كانت منتصبة أمام سجالاتهم والتي كاد بعضها أن ينسف المؤتمر من أساسه، حيث تمكنوا من إنجاز هذه التسوية وبهذه الصورة التوافقية التي أدهشت العالم. كما أنني لا أبالغ كذلك إذا ما قلت بأن أكثر المتفائلين بإمكانية نجاح المؤتمر لم تكن توقعاته تتجاوز حدود التوافق على حل قضية واحدة من مجمل تلك العديدة المطروحة أمام طاولة المتحاورين، ناهيك عن حل تلك القضايا الشائكة والمعقدة كالقضية الجنوبية وقضية صعدة، فضلاً عن قيام الدولة الضامنة وتحقيق العدالة الانتقالية والحكم الرشيد .. والتوافق على شكل الدولة ومضمونها ودورها و وضعها الحداثي وصلتها بحقوق المواطنة المتساوية .. وهي سمات عكست روح التوافق التي ارتضاها اليمنيون وعلى النحو الذي ترك انطباعاً عارماً بالفرح والتفاؤل حتى عند أكثر أولئك الذين لم يصدقوا البتة بأن يفعلها اليمنيون وهم يتجاوزون طرقاً معبدة بالأشواك والألغام .. ألم أقل لكم أنها الصدمة في أروع تجلياتها ؟!