مع كل قتيل يسقط يتغير اسم المكان ليأخذ اسماً جديداً ينسب إلى الجريمة.. حتى صارت الأماكن والشوارع معالم للجريمة والدماء. سمعت أحدهم يتحدث إلى غيره وهو يصف له عنواناً ولتسهيل عملية الوصف ذكر له المكان الذي قتل فيه أحد الضحايا فأدرك السامع العنوان سريعاً، لأن أماكن الاغتيال والقتل تصبح أكثر شهرة من سواها. هكذا صارت المعالم في حياتنا مرتبطة بحوادث القتل والتفجيرات.. المكان الذي انفجرت فيه القنبلة.. المكان الذي انفجرت فيه سيارة مفخخة.. المكان الذي سقطت فيه الطائرة.. المكان الذي قتلوا فيه فلاناً، وهكذا تتلاشى اسماء الأماكن الحقيقية وأسماء الشوارع والأحياء لتحل محلها هذه المسميات المرعبة التي لها علاقة بالموت والدماء والدمار، حتى المساجد صار لها نصيب من هذه المسميات بعدما صارت مسارح للقتل والصراعات التي تحضر فيها القنابل ويسقط الضحايا. أهون المسميات المخيفة هي تلك التي يقُال أنهم وجدوا فيها عبوة لم تنفجر بعد، ولم تراق عندها الدماء وتزهق الأرواح.. ومن المؤسف حقاً أن تأخذ الأماكن المزروعة بالقنابل والعبوات الناسفة شهرة أكثر من الأماكن المزروعة بالورود والرياحين والأشجار، وقد تراجعت كثيراً زراعة الورود والزهور لتحل محلها زراعة الموت في الطرقات. تسأل زميلاً لك عن عنوان سكنه فلا يخلو وصفه من أماكن فيها رائحة الموت ومسيلات الدماء قبل الدموع، ولا يقتصر هذا الأمر على العاصمة دون غيرها من المدن، وخطوط المواصلات بين المدن. حكايات كلها من جنس الرعب والموت، والكثير من الضحايا لا تعرف سراً لاستهدافهم، ولا لماذا يقتلون؟ ولم نسمع بهم من قبل، وهذا يعني أن الموت أو القتل لا يستهدف فئة دون غيرها.. ومن لم يكن مستهدفاً يقتل خطأ، وما أكثر الذين قتلوا خطأ وماتوا من غير ثمن، ومن غير أسباب سوى المصادفة قادته إلى مسارح الموت. السؤال المحزن المبكي هو: من أين يأتي هؤلاء القتلة؟ وأين يذهبون بعد ذلك؟ نعلم أنهم من أبناء هذا البلد، ونعلم أنهم يذهبون إلى أماكن آمنة في هذا البلد، وربما أنهم يظلون حول مسرح الجريمة وقد أمنوا ألاّ أحد يمكنه أن يصل إليهم. هذا الرعب المستشري في أوصال المدن بدأ بالصراع على السلطة، ويفعل ما يفعل من أجل السلطة وسيستمر طالما بقى الصراع على السلطة.. يالها من سلطة، وقد حولت الناس إلى وحوش ومجرمين، وتناسوا كل القيم والمبادئ، والصلاة والصوم والزكاة، واتجهوا نحو المناصب والكراسي، وحولوا من أجلها هذا البلد إلى غابة وبيئة للقتل، ومن ثم للبكاء والنواح والنحيب. الغريب هو الصمت الذي نراه في مواجهة هذا الرعب المتحرك، وكأن الأمر سهلاً وعادياً.. وينتهي كل شيء ببيان شجب وإدانة وتنديد وعزاء لذوي الضحايا. لماذا تصالحنا مع هذا الوضع الذي يستنزف الأرواح والدماء في حروب هنا وهناك، وحوادث قتل في كل مكان؟ لماذا هانت وتهون كل هذه الأرواح والدماء التي تسيل في معارك خاطئة ولأهداف خاطئة؟ لماذا يقتلون بعضهم في هذا البلد؟!