هل سنظل ندين ونستنكر ونطالب الجهات المختصة بإلقاء القبض على المجرمين بعد كل جريمة تُرتكب في حق هذا الشعب؟، تستهدف أرواح أبنائه ومقدراته، وتعمل جاهدة للقضاء على ما تبقى من الدولة، كنا بالأمس القريب ندين الاغتيالات الفردية من قبل عناصر مجهولة، وعلى ضرب أبراج الكهرباء وأنابيب النفط ولم يُلق القبض على أحد، ثم تطوّر الحال، فأصبح المجرمون يضربون أنا بيب النفط وأبراج الكهرباء ويعلنون عن أسمائهم ويمنعون الفرق الهندسية من إصلاح ما خرّبوه، وكانت ترتفع أصواتنا منادية القوات المسلحة والأمن التدخل لردع هذا العدوان ومعاقبة المجرمين، وبُحّت أصواتنا من الاستصراخ لهذه الجهات بسرعة إعادة هيبة الدولة معتقدين أن هذه الحالة التي وصلنا إليها هي أسوأ مايمكن أن تصل اليه أحوالنا المتردية، ولم ندرك حينها أن المخطط المراد لنا أسوأ من ذلك، وأن ماينتظرنا أشدُّ إيلاما وأنكأ للجراح، وإذا بنا نفاجأ بأن هذه الأيادي العابثة التي لا تمت إلى روح الإسلام بصلة وليس بينها وبين قيم المجتمع اليمني أي تشابه، لا من قريب ولا من بعيد، بل إنها تخلّت عن كل صفات الآدمية، ولا أبالغ إذا قلت وحتى الصفات البهيمة أرقى من سلوك هؤلاء الشواذ الذين لم نجد لهم ولجرائمهم شبيهاً، تفاجأنا بتطور جرائمهم إلى أن أصبحوا يعتدون على المعسكرات التي كنا نناشدها التدخل لإنقاذ الأبرياء والمشاريع الحيوية، فأصبحنا نطالبهم بحماية أنفسهم بعد أن قُتل منهم الكثير في ثكناتهم، وخير شاهد ما تعرضت له وزارة الداخلية أولاً ، ثم معسكرات الجيش في شبوة وحتى وصل الحال إلى استهداف المنطقة العسكرية الثانية في المكلا من قبل هؤلاء المجرمين، واعتقدنا أيضاً إننا وصلنا إلى نهاية المطاف ولن تحصل جرائم أكبر من ذلك، وكانت المفاجأة باستهداف وزارة الدفاع وتصفية كل من كان متواجداً في مستشفى الوزارة بالعرضي، ولم يفرّق المجرمون بين عسكري ومدني ولا بين رجل وامرأة أو شاب وطفل.. كل هذه الجرائم في كفة وجريمة الدفاع ثم جريمة اقتحام السجن المركزي بصنعاء في كفة أخرى، فالسجن أساساً هو الحصن الحصين الذي يُودع فيه كبار المجرمين ليتم محاكمتهم وإنزال العقوبات الرادعة عليهم جزاء ما اقترفته أيديهم من جرائم، ولذلك فالسجن هو القلعة التي يفترض أن لا تستطيع هذه الأيدي العابثة الوصول إليها. ولكن الأكثر إيلاما في هذه المرة إنهم اقتحموه وأخرجوا المجرمين من داخله وبتعاون وترتيب من بعض الساكنين حول السجن، تماماً مثلما حدث في مستشفى وزارة الدفاع بالعرضي، والرسالة الجديدة في هذا الهجوم هي أن إعلام القوى المساندة للمجرمين أرادت إلصاق الجريمة بالضحايا على سنة امرأة العزيز التي أرادت إلصاق التهمة بيوسف الصديق، فأرادوا أن يصوروا أن من قاموا بهذا الهجوم كان هدفهم إخراج المسجونين من شباب الثورة، وهم يعلمون علم اليقين أن الثوار الأحرار سواء الذين داخل السجون أو الذين خارجها لا يمكن أن يقبلوا بالخروج من السجن بهذه الطريقة الإجرامية، التي تشبه خروج الثعالب الأوغاد، وهم أبرياء، ولكنهم يريدون الخروج وهم معزّزون، مكرمون، مرفوعي الرؤوس كالأسود، وقد ثبتت براءتهم ورد لهم اعتبارهم قدوتهم بذلك يوسف الصديق عليه السلام الذي سُجن ظلماً في تهمة ماكرة ولبث بسببها بضع سنين، وعندما أتاه أمر الخروج من السجن بأمر الملك، فبدلاً من أن يطير فرحاً به رفض الخروج وطلب التحقيق في الجريمة التي نُسبت إليه وهو أطهر من الطهر نفسه ، فخرج بعدها من سجنه حاكماً وعزيزاً لمصر ومسئولاً عن خزائنها بعد أن اعترف المجرمون بجرائمهم، وأقرّت النسوة بطهره واعترفت امرأة العزيز بخطئها وبصدق الصدّيق يوسف عندما دعاهن الملك وسألهن عن قضيتهن مع يوسف، «قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ، قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ، قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ» .. ولكن مجرمي اليوم هل لديهم شجاعة تلكم النسوة بما فيهن امرأة العزيز وأخلاقهن بالإنصاف من أنفسهن ولو جاءت هذه الاعترافات متأخرة رغم أنهن لم يكن يدنّ بدين سماوي. ما سبق سرده ليس الغرض منه تحميل طرف معين بمفرده كل المسئولية وإن كنا نحمل الجهات الأمنية بمختلف تخصصاتها العسكرية المسئولية في وضع حدٍ لهذه الجرائم التي أصبحت تهدّد الوطن برمته ولم تُبق حرمة لشيء في هذا الوطن ، فالمجرمون لن يتوقفوا عند هذا الحد، فهدفهم الوطن كل الوطن ومن ورائهم جهات داخلية ودول خارجية، ومع تحميلها لهذه الجهات الأمنية والعسكرية المسئولية، إلا أن المجتمع كله يتحمل المسئولية مع هذه الجهات، كون التركة ثقيلة، والمجرمون متغلغلون ولديهم عناصر في كل الأجهزة والمرافق وهذا يتطلب أيضاً تطهير هذه الأجهزة من هذه العناصر السرطانية والحشرات السامة التي لا تعيش إلا في المستنقعات، فلنطهر هذه الأجهزة حتى لا تبقى مستنقعات لهذه الجراثيم القاتلة، وهنا أيضاً يأتي دور الرئيس هادي بضرورة سرعة اتخاذ قرارات حاسمة تستأصل الأعضاء الفاسدة وتبترها وعلى كل القوى تشجيعه على ذلك حتى وإن كانت بعض هذه الأعضاء«الخربانة» محسوبة عليها زوراً وبهتاناً، فالفاسد ليس منا، كائناً من كان «إنه ليس من أهلك، إنه عمل غير صالح»، فالأمر جد خطير ولن يقف المجرمون عند هذا الحد إذا لم يتكاتف الجميع ويعملون بروح الفريق الواحد وبكل الوسائل والطرق للقضاء على هذا الشر المحدق، فقوة الشر تكمن في تخاذل اهل الخير. اللهم وحّد صفّنا على كلمة سواء، ووفّق رئيسنا على قيادة البلاد إلى بر الأمان ولا تشمت بنا وبوطننا الأعداء.. اللهم آمين.