الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدّم يعتبر من أهم ما نتج عن الثورة الصناعية في أوروبا في القرن التاسع عشر التي كانت نتاجاً لحركة الإصلاح الديني، وما كانت لتنجح تلك الثورة لو لم تنهِ سيطرة رجال الدين «الكنيسة» على الحياة السياسية وعلى الدولة آنذاك. تلك الكنيسة التي ظلت ردحاً من الزمن تعمل جاهدة لإضعاف الدولة من خلال استخدام الدين في السياسة، حيث وصل الأمر ببعض الباباوات إلى بيع صكوك الغفران للمواطنين البسطاء ادعاء منهم أن بيدهم أن يغفروا الذنوب للناس..!!. لكن مارتن لوثر الذي قاد حركة الإصلاح الديني جاء ليؤكد أنه لا أحد، حتى البابا نفسه لا يستطيع غفران الذنوب، والله وحده قادر على غفران ذنوب البشر، وأن صكوك الغفران بدعة، بل حتى البابوية نفسها اعتبرها مارتن لوثر بدعة. لقد جاءت حركة الإصلاح الديني كحركة جريئة قادها مارتن لوثر «الذي حمل لواءها قرابة ثلاثين عاماً» بوقوفه في وجه البابوية، أكبر قوة دينية متحالفة مع الإقطاع حينذاك، وهكذا فقد تحرّر الفرد المسيحي من سلطة رجال الدين القائمة على احتكار المعرفة الدينية وغيرها. لم يحدث في تاريخ البشرية أن ثار الحاخامات والرهبان أو رجال الدين والإقطاع؛ لأنهم يصنّفون الثورة في قاموسهم أنها همجية وتعطيل لمصالحهم، وهذا ما حدث بالفعل في اليمن؛ يحاول الرموز الدينية ورموز الإقطاع تقديم أنفسهم على أنهم ثوار. فسواء كبار الإصلاح أو السلفيين أو الحوثيين يتشدّقون بالدين، ويطلقون الصيحات والصرخات مفتعلين أنهم يقومون بثورة وما هم بثوّار، يدّعون أنهم يقودون عملية التغيير؛ بينما هم أصلاً يفتقدون إلى أبسط مقوّمات وشروط القيام بهذه العملية التي إن حدثت بالفعل سوف تنهي مصالحهم الشخصية والحزبية، ولا أظنهم سوف يتخلّون عن مثل هذه المصالح في سبيل الوطن، لأن الوطن في تعريفاتهم لن يكون وطناً إذا لم يكن تحت تصرّفهم وتصرّف أبنائهم ينهبونه، يقتلون أبناءه، يغتالون رجالاته وقياداته الشرفاء الذين يرفضون العودة بعجلة التاريخ إلى الوراء. يعتقدون أنهم عندما يكذبون أنهم بذلك يثورون، يعتقدون أنهم عندما يحملون السلاح ضد بعضهم بعضاً ويمارسون الإرهاب ويغتالون أنهم يثورون، يعتقدون أنهم عندما ينهبون إنما يثورون. إذاً هم على من يثورون..؟! إنهم يثورون على الشعب لتجهيله مرة أخرى حتى «يتقطرن» ليعمل ضد مصلحته من خلال بقائهم يتحكمون في مصيره ومصير الأجيال القادمة. حتى عندما خرج الشباب ليثوروا هرعوا إلى الساحات ليكونوا غلافاً لتلك الثوره فقتلوها واغتالوا أحلام الشباب، صادروا حرياتهم، ركّبوا للثورة لحية وعمامة وحوّلوها إلى رجعية إمامية متخلّفة. [email protected]