يعد العمل التطوعي أحد النشاطات الاجتماعية التي نشأت مع المجتمع الإنساني وتطورت بتطوره عبر الزمن، ولا تكاد تخلو حضارة إنسانية من دور للعمل التطوعي بأشكاله وأنواعه وأساليبه المختلفة، ففي التاريخ الإسلامي نجد الكثير من الصيغ والممارسات التي مثّلت صوراً تلقائية للعمل التطوعي وارتبطت بالتطورات الاجتماعية وبمقومات الانتماء والهوية العربية الحضارية، وتحض شريعتنا الإسلامية على العمل التطوعي، ومن تلك الإشارات الكريمة قوله تعالى: «فَمَن تَطَوًع خيراً فهو خيرٌ لهُ». صدق الله العظيم. ومع تطور المجتمع تطورت حركة العمل التطوعي حجماً وفعالية وأصبح له منهجية وأسلوب, ويعبّر عن إرادة وطنية نابعة من تصميم المواطنين في المجتمع على النهوض والتقدم، والأخذ بزمام الأمور في مواجهة الصعوبات والأزمات العامة والتغلب عليها لتحقيق مستوى أفضل للحياة المعيشية، وفي هذا الاطار أصبح العمل التطوعي يتخذ مجالات حيوية لأنشطة ثقافية واجتماعية واقتصادية بالغة الأهمية. ونظراً لما يمثّله الشباب من أهمية خاصة، كونهم في مرحلة العطاء ويمتلكون القدرة الذهنية والبدنية العالية، فقد سعت الكثير من الدول إلى غرس ثقافة التطوع وتشجيعها بينهم. حيث إن مشاركة الشباب في العمل التطوعي تؤدي إلى تعزيز انتماء هؤلاء الشباب لأوطانهم، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم الفكرية والفنية والعلمية والعملية، وتتيح الفرص الواسعة أمامهم للتعبير عن آرائهم في القضايا التي تهم مجتمعاتهم، وفي استثمار أوقاته في أعمال نبيلة، إضافة إلى الأثر النفسي والاجتماعي الذي يتركه العمل التطوعي على الشباب مثل: احترام الذات والثقة بالنفس، وتقدير قيمة العمل والمشاركة في اتخاذ القرار. وعلى الرغم من أهمية مشاركة الشباب في العمل التطوعي لخدمة المجتمع وتنميته في مختلف المجالات, إلا أن مستوى مشاركة شبابنا في العمل التطوعي ما زال دون المستوى المأمول إذا ما قورن بمجتمعات أخرى، وهناك جملة من العوامل أو الأسباب التي أدت إلى ذلك, أولها وأبرزها غياب ثقافة العمل التطوعي لدى شبابنا. فلاشك بأن البعد الثقافي القيمي يعد عاملاً مؤثراً في العمل التطوعي، لما للمنظومة الثقافية والقيمية من تأثير على الدوافع والأسباب التي يحملها الأفراد, ورغم كون الثقافة الإسلامية تحمل في طياتها الكثير من القيم المحفزة على فعل الخير والتشجيع على ممارسة أعمال التطوع، إلا أن ثقافة التطوع في مجتمعنا مازالت تتسم بدرجة متدنية من الفاعلية، وتعاني من إشكاليات أساسية تتمثل في جمود الخطاب الفكري وتقليديته في ميدان التطوع، ولاتزال الفجوة قائمة بين النظرية والتطبيق. فعلى الرغم من الأولوية التي أعطاها الإسلام للتطوع والعمل الخيري، إلا أن مجالاته انحسرت في الغالب في بعض النشاطات التقليدية، وبقي العمل التطوعي مرتبطاً بمفهوم العمل الخيري, حيث تتركز الأعمال التطوعية على الجوانب الدعوية ومساعدة المحتاجين، ولم تنل الجوانب الأخرى ما تستحقه من الاهتمام. وتساهم بعض الأنماط الثقافية السائدة في المجتمع في تقليص مشاركة الشباب في العمل التطوعي، كالتقليل من أهميتهم الاجتماعية ومن دورهم في بناء المجتمع، وكذلك ضعف وعي الشباب بمفهوم وفوائد العمل التطوعي.. كما أن هنالك أسباباً تتحمل مسئوليتها المؤسسات الحكومية والتعليمية والأهلية، تتمثل في قلة التعريف بالبرامج والنشاطات التطوعية أو عدم السماح للشباب بالمشاركة في صنع القرار داخل المؤسسة وقلة تشجيع ودعم العمل التطوعي، والنقد السلبي لأي عمل خيري، والهروب من المشاركة في العمل التطوعي، وبث الشائعات والشكوك ضد الأعمال التطوعية والقائمين عليها، وإيجاد جو سلبي وزرع الإحباط واليأس في المحيط الاجتماعي، وممارسة الهدم ضد أي عمل تطوعي بدلاً من المشاركة في البناء, وقد ساهم عدم قيام مؤسسات التنشئة الاجتماعية المختلفة كالأسرة والمدرسة والمؤسسة الإعلامية بدور فاعل في غرس قيم التطوع والعمل الجماعي في نفوس الناشئة إلى انخفاض وعي الشباب بأهمية العمل التطوعي، وبدوره في البناء الذاتي للفرد، وبأهميته في تطوير المجتمع. كما أن عدم تضمين المناهج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات، والبرامج الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته ودوره التنموي، قد ساهم في تقليل اهتمام الشباب بالأعمال التطوعية. ومن هذا المنطلق فإن تنمية وتعزيز ثقافة العمل التطوعي لدى شبابنا وبالتالي زيادة مساهمتهم في عملية التنمية الشاملة في المجتمع تقتضي ضرورة توحيد وتنسيق الجهود بين مختلف المؤسسات المعنية بقطاع الشباب ومنظمات المجتمع المدني والتنظيمات السياسية وأجهزة ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والدينية والتعليمية, من أجل إيجاد جيل من الشباب يمتلك ثقافة العمل التطوعي وحب المشاركة الفعالة في خدمة وتنمية المجتمع, ومن أبرز الجهود أو الأنشطة التي يمكن أن تسهم في تحقيق ذلك العمل على تشجيع شبابنا في الانخراط في الأعمال التطوعية، من خلال وسائل الإعلام كالصحافة، والإذاعة، والتلفزيون، وبيان أجورها، وآثارها، وعوائدها على المجتمع، وإدراج ثقافة العمل التطوعي، وبرامجه التطبيقية، ضمن المناهج الدراسية، أو الأنشطة اللا صفيّة، كالتعاون مع بعض الجهات الخيرية القريبة من محيط المدرسة، أو تنظيف فناء المدرسة، أو زراعة الأشجار في محيطها، ونحو ذلك، بالإضافة إلى إبراز دور المبرِّزين في الأعمال التطوعية، وتغطية أخبارهم، وميادين النجاحات في حياتهم، مع عرض تجاربهم وخبراتهم؛ ليكون ذلك حافزاً لهم، ودافعاً لغيرهم، وغيرها من الجهود والأنشطة التي تجعل شبابنا عنصراً فاعلاً ومؤثراً في بناء الدولة اليمنية الحديثة وتنمية المجتمع في مختلف المجالات.