عندما تغدق علينا الأحلام بأطيافٍ جميلة وردية، نصدق أن باستطاعتنا مجاراة هذا الجمال الحالم في واقعنا، وأننا صرنا منه قاب قوسين أو أدنى. دائما نحب أن نتناسى أن تلك الأطياف الجميلة، تبعثرها قسوة الواقع المرير، وظلم القوي للضعيف، والضعيف للأضعف، لذلك، نحن نكتفي بانتقاد مشكلات الحاضر نقداً عشوائياً دون إيجاد حلول منطقية، وكأن كل هم نحمله هو أن نعثر على من نلقي باللوم عليه، رغم أن لا أحد سيحاسبنا في هذه الحياة، وتمضي السنون ونحن نصر على الخطأ، وأوطاننا ومبادئنا وكل مقدساتنا أمام أعيننا تضيع. ربما علينا أن نعترف بداية أننا لا نعرف كيف نفكر ونخطط على المدى البعيد، ولهذا فإن جهودنا مهما عظمت تبقى مؤجلة النتائج، فمازلنا لا نستحق حصاد النجاح، بالرغم من بداية الكثير من النزالات وانتهائها، إلا أن عضلاتنا مازالت في مرحلة التسخين. نحن أمة العرب، أمة اللسان البليغ، والثقافة الأصيلة، والتاريخ العريق، اكتفينا بالتدوين وأن نكون شهوداً على كل عصر يمر بنا، ونسينا أن ندونه بشيء من الحيادية، فكان لابد أن نتأثر بأوجه نظر شخوص تلك العصور، فأغفلنا الكثير من الحقائق، ونقلنا الكثير منها ناقصاً أو مشوهاً، فضاعت الفكرة واختلطت المفاهيم، حتى أصبحنا في حيرة من أمر كل ما يخص ماضينا وحاضرنا، ولم نُسلم من ذلك حتى ديننا، فكثرت نزاعاتنا حول الحقيقة الضليلة، وأحلنا الدين الذي جاء رحمة للإنسانية، دين إرهاب وعنف وقسوة. ولا نفكر كيف نطالب مجتمعنا بالكثير دون أن نزرع بذرة ما نرجو حصاده! فعلى سبيل المثال، نطالب الأمهات أن ينشئن جيلاً قوياً قادراً على تحمل مسؤولية المستقبل المشرق الذي نحلم به، نفعل هذا في الحين الذي نجعل فيه المرأة تحت طائلة العقاب قبل الخطأ، فتقمع وتقهر وتحرم من حقوقها الدينية والإنسانية، ونتناسى أن فاقد الشيء لا يعطيه. أطفالنا، الطبقة الثانية المسحوقة والتي تعاني من تفكيرنا الأخرق، عليهم أن ينجحوا ويتفوقوا، وأن يصبحوا مخترعين وعباقرة في بؤرة تعليمية ليست أهلاً إلا لخلق العاهات النفسية والاجتماعية، ولا نعلم أن من ينجحون في الخروج كأشخاص أسوياء من هذا الجو التعليمي المغلوط، هم في الحقيقة عباقرة حقيقيون، يكفي أنهم استطاعوا أن ينخرطوا في المجتمع بشكل شبه سليم وأن يقنعوا الآخرين بأنهم أسوياء. باختصار إن الأحلام لدى العرب، تماماً كمساحيق التجميل، تزين الواقع الوهم، ولا تغير شيئاً في صورته الأصلية، وسنبقى نتنقل بين أطياف أحلامنا الجميلة، تاركين حاضرنا ينهار ويستحيل إلى خزي يرافق ذكرنا بين الأمم.