لم يعد الطبيب اليوم ذلك الشخص المؤتمن على حياة مرضاه؛ بل على العكس أصبح البعض من الأطباء يشكّلون خطراً حقيقياً يهدّد حياتهم، بعد أن فقد البعض إنسانيته وتخلّى عن شرف مهنته وتحوّل إلى تاجر بضاعته المرضى من بني الإنسان. وفي اليمن بالذات أصبح الذهاب إلى المستشفى أخطر الطرق وأسرعها التي توصلك إلى القبر بعد أن تحوّلت وبفضل مافيا الفساد وسماسرة الموت إلى مقلب لكل الأفاكين والمشعوذين وأدعياء الطب القادمين من وراء الحدود تحت مسمّى «أطباء وطبيبات» تم التعاقد معهم؛ أو بالأصح تمت مقاولتهم وعقد صفقة معهم للعمل كأطباء مقابل نسبة يدفعونها طوال سنوات عملهم في اليمن، مقابل تسهيل عملهم والتستُّر عليهم وتغطية فضائحهم وجرائمهم التي يرتكبونها..!!. وفي اليمن أيضاً ما أسهل أن تعمل بوظيفة «طبيب» بغض النظر عن المؤهّل الذي تحمله؛ المهم أن تفي بالالتزامات المادية التي قطعتها على نفسك. عشرات الأشخاص تم استجلابهم إلى اليمن من دول شرق آسيا وغيرها تحت مسمّى «أطباء وطبيبات» نراهم يزاولون مهنة الطب في المستشفيات والمستوصفات الخاصة، والبعض منهم لديه عيادات خاصة به، سواء في مدينة تعز أم مديرياتها. ولا أتجاوز الحقيقة إذا ما قلت إن معظم هؤلاء لا يفقهون أبسط أبجديات الطب؛ ولا يحملون أي مؤهلات؛. ومؤهلهم الوحيد هو أنهم أجانب فقط، كما أن المفزع حقاً أن تشعر عند ذهابك إلى طبيب أو طبيبة من هؤلاء أن الذي أمامك ليس فقط لا يحمل مؤهل طبيب؛ وإنما أميون بكل معنى الكلمة، وبالكاد يستطيعون رسم الأحرف الأولى لأسماء علاجات معينة تم تدريبهم على كتابتها وتُصرف لجميع المرضى دون استثناء، وأتحدّى أي صيدلي أو طبيب أن يفك طلاسم «روشتة» العلاج، أو يعرف تشخيص المرض..!!. لا أقول ذلك من باب التجنّي أو المبالغة وإنما من خلال الواقع ومن خلال الوثائق التي حصلت عليها كنماذج، من هؤلاء الأطباء الأمّيين طبيبة نساء وولادة في إحدى مديريات تعز؛ هذه الطبيبة تسبّبت في إجهاض كثير من الحوامل بفعل الأدوية الخاطئة، كما تسبّبت في وفاة عدد من الأطفال أثناء الولادة وأمهات أيضاً. شكاوى عديدة قدّمت لمكاتب الصحة حول مثل هذه الحالات دون أن تحرّك تلك المكاتب ساكناً، والنتيجة الوحيدة إزاء الشكوى المقدّمة ضد تلك المسمّاة «طبيبة» أنه تم شطب اسم الجامعة التي قالت إنها تخرّجت منها من «البُرت الدعائي» للعيادة الخاصة بها..!!. حكايات مؤلمة لضحايا أدعياء الطب غالباً ما تنتهي داخل شمّاعة القضاء والقدر، يبقى هؤلاء يمارسون هواياتهم في إزهاق الأرواح والاتجار الرخيص بهذه المهنة الإنسانية النبيلة. والمؤلم في الأمر هو أن كل هذه الجرائم رغم كثرتها وإن سمّيت مجازاً "أخطاء طبية" لم تحرّك مسؤولي وزارة الصحة ومكاتبها، وتدفعهم إلى القيام بحملة تفتيش على هذه المستشفيات والمستوصفات والعيادات التي تزهق على يد العاملين بها أرواح بريئة لا ذنب لها إلا أن قدرها الأعمى ساقها إلى الوقوع بين يدي أطباء أمّيون وسماسرة الموت..!!.