يقال: إن الغريق يتعلق بقشة.. ربما تكون له طوق نجاة من مصير محتوم ولا سبيل للخلاص إلا أن تتداركه رحمة من ربه إن كان له من العمر بقية. هذا المثل ينطبق على المرضى في بلادنا، فهم يتعلقون بكل أمل يلوح لهم، لا فرق عندهم إن كان هذا الأمل عند حملة الطب الحديث أو ما يسمى بطب العقاقير وعلى يد طبيب في مستشفى عام أو خاص أو عيادة أو كان هذا الأمل عند ممتهنين الطب القديم المسمى التداوي بالاعشاب أينما وجدوا في عيادات خاصة أو على قارعة الرصيف أو فوق سيارات متحركة، ولا مانع أبداً أن يكون الأمل معقوداً بيد شيخ جليل يداوي بالرقية الشرعية وغيرها أو كان عند مشعوذ دجال استغل ألم المرضى وحاجتهم للشفاء، وله الحق مثل غيره أن يدلي بدلوه ويصف للمريض وصفته، فكل ما يهم المريض من كل هؤلاء بمختلف أسمائهم وصفاتهم أن يجد العلاج المناسب الذي يخفف أوجاع جسده ويرحمه من رحلة المعاناة التي تستنزف صحته وتستنزف ماله ومدخرات عمره وتغرقه بديون تثقل ظهره وظهر أسرته من بعده وهو يتنقل ما بين طبيب العقاقير وطبيب الأعشاب.. من مستشفى عام إلى مستشفى خاص من مدينة إلى قرية.. من هنا إلى هناك يركض خلف سراب الأمل والذي لا ينقطع إلا بانقضاء الأجل بعد طول عناء ورحلة ألم موجع امتدت سنوات. ولست هنا أنفي عدم وجود حالات مرضية تماثل أصحابها للشفاء وتحققت بهم معجزة التداوي على يد كل هؤلاء...وكل منهم يدّعي الفضل على أصحابه وأنه حقق ما لم يستطع الآخرون تحقيقه وشفا من الحالات المرضية ما استعصت على غيره...ولكن كم عدد هؤلاء المرضى الذين نجح هذا أو ذاك في شفائهم من إجمالي عدد المرضى الذين لازالوا يرزحون تحت براثن المرض...ولم يزدهم تداويهم وبحثهم عن العلاج إلا مرضاً فوق مرضهم وكثير منهم كانوا يشكون من علة واحدة وأصبحوا بفضل هؤلاء المنقذين يشكون من علل لا تحصى وأمراض متعددة جسدية ونفسية.. أكيد لا مجال للمقارنة. ورغم هذا كله مازالت المستشفيات والعيادات وبمختلف أنواعها تكتظ بالمئات من المرضى الباحثين عن أمل الشفاء، ومازال الأطباء المعالجون بمختلف طرقهم يمارسون مهنتهم ويصفون الوصفات الطبية لمرضاهم ويعدونهم بما لايجدون إليه سبيلاً إلا من رحم ربي..وأمام هذا الوضع القائم والواقع المؤلم والتدني الملحوظ في مستوى الخدمات الصحية وعدم تحسين مستوى الخدمات الصحية نجد أنفسنا أمام سؤال لابد منه: لماذا فقد المرضى ثقتهم بأطباء العقاقير واتجهوا نحو أطباء الأعشاب وغيرهم؟؟ وأيهما أنفع للمريض طبيب العقاقير أم طبيب الأعشاب؟ وهل فعلاً تفوّق أطباء الأعشاب على أطباء العقاقير كما يقول البعض؟ أم أن الهروب من الضرر الذي يلحقه أطباء العقاقير وتشخيصهم الخاطئ هما السبب في هذا الإقبال على أطباء الأعشاب من باب أن طبيب الأعشاب إن لم ينفع فهو لا يضر وليست هناك آثار جانبية لوصفاته؟؟والأهم من هذا كله أين هي وزارة الصحة من الحال المتردي للصحة والخدمات الصحية في مختلف المرافق؟؟