أمام كل جريمة يرتكبها تنظيم القاعدة، يتبادر إلى ذهني ما صرّح به الرئيس السابق صالح في الأيام الأولى لثورة 11 فبراير، عن ثقته الكاملة بسقوط خمس محافظات في أيدي القاعدة وقد سماها (أبين – مأرب – البيضاء – شبوة – حضرموت). ما قاله الرجل آن ذاك لا يدخل في إطار قراءة لواقع الحال – وهو المعروف بثقافته المتدنية – قدر ما كان يلوّح بواحدة من أخطر أوراقه التي اعتمد عليها طويلاً في محاولة بائسة للبقاء في كرسي الحكم، بمعنى إنه كان بذلك يخيّر الداخل والخارج ما بين بقائه في السلطة وما يمكن أن يترتب على سقوطه، إذ كان يرى في تهاوي من سبقوه من الحكام نهاية حتمية لنظامه الأكثر هشاشة وافتقاراً لأدوات المقاومة. ما يقوم به تنظيم القاعدة في المحافظات المشار إليها، يعكس طبيعة التحالف بين الطرفين، ولا يؤكد ما هدف إليه الرئيس السابق من محاولة الظهور بصدق القول، والحرص على مستقبل بلد، كان هو السبب الأول والأخير في ما وصل إليه من سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، وما يتعلق بإهدار وظيفة الدولة وتوظيف إمكانياتها بما يخدم عملية التوريث. وبالتالي وإزاء المشهد العام على هذا الصعيد لا أظننا بحاجة إلى استرجاع ما قاله أحد قيادات التنظيم (مصري الجنسية) في مقابلة له مع قناة فضائية مصرية، وتم تداوله مؤخراً عبر “الواتس أب” حين أكد على متانة التنسيق مع نظام صالح بعد ترحيبه بهم واستقبال كل العائدين من أفغانستان بمختلف جنسياتهم، وكيف أنه استوعبهم في القوات المسلحة والأمن ومنحهم الرواتب والرتب كلٌّ حسب موقعه في التنظيم، ومن ثم كيف استخدمهم في حرب 94م وما تلاها من صراعات داخلية وابتزاز للخارج. إزاء ذات الجرائم المرتكبة بحق الجنود في المحافظات الخمس، ينتصب أمامي سؤال كبير مفاده: لماذا لا يقاتل تنظيم القاعدة جماعة الحوثيين؟ - أنا هنا لا أدعو للحرب تحت أية يافطة – لكنني أتساءل من منطلق أن مثل هذه التنظيمات المتشددة تنظر للشيعة على أنهم روافض ومجوس يجب قتالهم!! ولا شك بأن مثل هذه التساؤلات المشروعة ستقرب لنا فهم وقراءة الأوضاع العامة، ومن ثم تحديد الأطراف المسؤولة عن هذا الحال وطبيعة ومستوى التنسيق فيما بينها. في هذا السياق، أعتقد بحاجتنا لتذكّر عملية “العرضي”، إذ سبق هذه العملية قيام تنظيم القاعدة بإصدار بيان أعلن فيه عن نقل المعركة إلى صنعاء وعزمه استهداف قيادات حوثية والمتعاونين معهم. ولم يمضِ أكثر من أسبوع على البيان إلا وسمعنا عن المحاولة الفاشلة لاغتيال “العماد” رئيس تحرير صحيفة الهوية ذات التوجه الحوثي بواسطة عبوة ناسفة، أعقبها بأيام اغتيال الدكتور/عبدالكريم جدبان.. وفي اعتقادي لم يكن لهاتين العمليتين من هدف سوى تأكيد ما جاء في مضمون البيان كمقدمة لمهمة أكبر تمثلت بالمحاولة الفاشلة للسيطرة على مجمع وزارة الدفاع، في عمل انقلابي واضح، وضعنا أمام تساؤل آخر عن أهمية حرص الواقفين خلفه على صبغه بلون القاعدة، وعن تلك القذائف المنطلقة من مبانٍ في صنعاء القديمة حيث التواجد الحوثي. ونتيجة لفشله وحتى لا توجّه أصابع الاتهام للانقلابيين الحقيقيين، سارع تنظيم القاعدة ولأول مرة وعلى لسان قاسم الريمي إلى الاعتذار علناً، وتحمل كامل للمسؤولية. اللافت أنه منذ ذلك الحين لم يقم التنظيم بأية عملية بحسب توعدهم في البيان المشار إليه!!. وفي تنسيق كامل تعكسه جملة الجرائم المرتكبة في البلاد، تفرغ التنظيم لكل ما يقوم به في المحافظات الجنوبية وامتداداتها في البيضاءومأرب، فيما تفرغ الحوثيون للتوسع في شمال الشمال من خلال خوض معارك عبثية لا علاقة لها بالموت لأمريكا وإسرائيل ولعن اليهود، مع العمل في موازاة دور إيراني داعم للانفصاليين ضمن وهم أن ما يحدث هناك لا يساعدهم على حكم كامل البلاد، إذ يشير البعض إلى هذه الجزئية في تجاوز مستفز لمحافظات فاعلة وتمثل 70% من السكان والأكثر قدرة تاريخياً على كسر جماعة الحوثي وغيرها من الجماعات السلالية والمذهبية، في حالة عجز الدولة عن القيام بدورها وتراخي ناس الهضبة الشمالية. أما الضلع الثالث في مثلث إعاقة بناء الدولة والمتمثل في النظام السابق، فينحصر دوره على دعم جميع أطراف لعبته القذرة، مع التفرغ للإشراف المباشر على تفجير أنابيب النفط وأبراج الكهرباء وعمليات خطف الأجانب واغتيال الضباط. قد تتساءلون: أين الطرف الآخر؟ أقول لكم ببساطة: إنهم مشغولون بالعمل في لجان متعددة تكسبهم مبالغ طائلة وهي بالمناسبة طريقة جديدة لشراء الذمم تختلف كلياً عن تلك التي كان يتبعها صالح، إضافة إلى انشغالهم بتعزيز وتطوير العلاقات الشخصية. عموماً لابد من استشعار المسؤولية، والوقوف بجدية أمام المنعطف الخطير الذي تمر به البلاد وبما يفضي إلى خلق اصطفاف وطني، ما لم فإن الأوضاع مفتوحة على جميع الاحتمالات، وفي مقدمتها التشظي إلى كيانات مذهبية ومناطقية واحتراب أهلي سندفع ثمنه غالياً ودون استثناء. [email protected]