الخبير العسكري، والمحلل السياسي علي الذهب في حوار لصحيفة "الناس" عن ملف الاغتيالات للعسكريين والسياسيين، وأسباب عدم الكشف عن الجناة، وعلاقة القاعدة بتلك العمليات.. وتفاصيل أخرى في ثنايا الحوار التالي.. - كخبير عسكري ومحلل سياسي، كيف قرأت محاولة اغتيال رئيس مجلس شورى الحق الدكتور إسماعيل إبراهيم الوزير؟ وهل يمكن أن تتكرر ضد آخرين؟ * يمثل ما جرى امتدادا لوقائع مشابهة طالت الكثير من القادة العسكريين والسياسيين، في ظل وضع أمني شبه منفلت، أتت به مجموعة ظروف فاقت قدرة الأجهزة الأمنية والعسكرية على مواجهتها ومنع تكرارها. وهي الحالة الثالثة -على ما أظن- التي نجا منها مستهدف، وهي بذلك تمثل فرصة قيمة قد تساعد الأجهزة الأمنية في كشف حقيقة من يقف وراء الكثير من هذه العمليات، خاصة تلك التي تستهدف من يمت بصلة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) سواء كان الجناة من داخل الجماعة أو خارجها. لا يستبعد تكرار مثل ذلك، لا سيما أننا نعيش حالة أمنية هشة، حيث لا تبسط الدولة سلطتها على كثير من المحافظات، وهناك انتعاش ملحوظ في صفوف الجماعات المسلحة التي تمارس هذه الفوضى بطريقتها الخاصة.. تأمل ما يقوم به الحوثيون في عمران ومناطق حاشد، وانظر عمليات القاعدة ضد الجيش والأمن، ومثلهما الحراك المسلح الذي يمارس ذات النشاط ضد الجيش والأمن. - كيف تنظر الى استهداف بعض القيادات الحوثية، مثل: شرف الدين، وجدبان.. والآن الوزير؟ * كما تلاحظ، هناك اتهام متبادل، ولكنه غير معلن صراحة، لكني أضيف إلى ذلك، أن هنالك طرفا ثالثا يحاول باستماتة تأجيج الحوثيين ضد حزب الإصلاح تحديدا؛ ليعمق من الشرخ الحاصل بينهما، ويدفعهما للمواجهة المسلحة، ثم يحقق غاياته على أشلائهما، وهو ما يجري الآن بشكل حثيث.. كذلك قد تكون هناك جماعات مأجورة تعمل لصالح جهات خارجية لإغراق البلاد في حرب مذهبية خاصة في مناطق الوسط وشمال الشمال. - ما رأيك بمن يقول: إن حركة الحوثي تريد أن تقضي على الرموز المعتدلة التي لها آراء مخالفة للتوجه الحوثي؟ * هذا رأي من الآراء المتداولة أو أنه جزء من التراشق السياسي، لكنه يظل محل نظر ما لم يثبت صدقه بالأدلة القاطعة، سواء من قبل الأجهزة الأمنية أو أقرباء المستهدفين أنفسهم. - كخبير عسكري، كيف تنظر إلى زيادة وتيرة الاغتيالات في صفوف الضباط العسكريين والأمنيين خلال الفترة الماضية؟ * ليس هنالك جهة واحدة أو سبب واحد يقف وراء اغتيال ضباط الجيش والأمن خلال أكثر من عامين مضيا، فهناك ما يشير إلى تورط تنظيم القاعدة إشارة دقيقة، وهناك ما يمكن أن يوصف بأنه عمل جنائي صرف، ولا يستبعد أن تكون هناك جهات أو أفراد-كما أشرت سابقا-يعملون لصالح أطراف خارجية في ظل الوضع السياسي الملتهب، وقد أشار الرئيس هادي وقيادات أمنية واستخبارية إلى تورط دول خارجية في زعزعة الأمن في اليمن. - هل هناك فارق في الاستهداف، الذي طال العسكريين والمدنيين السياسيين، كلاً على حدة؟ بمعنى: هل الدوافع واحدة أم مختلفة؟ * يتقاطع الدافع السياسي مع الدافع الديني خاصة في العمليات التي نفذتها القاعدة، وهناك من يريد للعامل الديني أو المذهبي أن يظهر. وهنا أحذر من أن تقاد البلاد إلى ذلك مستقبلا، خاصة مع التباين الفكري الحاد في حضور وانتشار الجماعات المسلحة التي تقاتل السلطة للوصول إلى حكم البلاد، وأنه لو تمكن أي منها من الظفر بالسلطة؛ لا شك أننا سنكون عراقا آخر. - وماذا يعني عدم الكشف عن الجناة، خلال عشرات العمليات التي نفذت في العاصمة صنعاء، وفي المحافظات الأخرى؟ * أتساءل معك ذات السؤال، لكن لا يجب أن نتجاوز بعض الأحداث التي كشف عنها، كالعملية الإرهابية التي طالت حشد تدريبي بصنعاء في مايو عام 2012م. أيضا هناك أشخاص يخضعون للتحقيق، الآن، في حضرموت على خلفية اغتيال نائب مدير الكلية الحربية العميد علي عمر بن فريجان في نوفمبر الماضي، ومحاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت القاضي عدنان الحامد قبل أكثر من شهر، كما لا أستبعد أن بعض القضايا ربما استعصت على الأجهزة الأمنية لسبب أو لآخر.. لقد كان هناك قصور أمني واضح؛ فالعلم والمنطق يقولان: "لا توجد جريمة كاملة" أي أنه لا بد من وجود أثر يتركه الجاني بما يوصل لمعرفة مرتكب الجريمة. - كل ملفات الاتهامات نفذت بمسلحين مجهولين، وأحيانا القاعدة.. كيف ترى دور القاعدة في هذه الاغتيالات؟ * مثلما أشرت سابقا، للقاعدة يد في بعضها، ولعلك علمت باغتيال الشيخ علي سالم باوزير بحضرموت في فبراير الماضي، حيث كان يجرم تصرفات القاعدة ويدعوهم للحوار الفكري ويقدم لهم النصح، لكنهم رفضوا ذلك، وقد تعرض للتهديد من قبلهم أكثر من مرة. بالنسبة للقادة العسكريين، فإن القاعدة تعتبرهم هدفا أصيلا لها؛ لأنهم في نظرها الذراع المساعد للأمريكان في حربهم ضدها، وقد أعلنت صراحة هذا الأمر، ولا أستبعد -في الوقت ذاته- أن يكون للحراك المسلح تعاون وثيق مع القاعدة. كذلك ستكون الإجابة على سؤالك أدق لو سألتك: لماذا تجري الكثير من الاغتيالات للقادة العسكريين في محافظات الجنوب والشرق من البلاد؟ وما علاقة معارضة الخارج بحضرموت وبتلك الاغتيالات؟ وأين استهدف اللواء سالم قطن، والعميد عمر بارشيد، والعميد علي بن فريجان، وضباط آخرون عسكريون وأمنيون؟! - مقاطعا: لماذا وأين؟ * في عدنوحضرموت.. وحضرموت تنتشر فيها القاعدة والحراك المسلح بشكل كبير ومدهش، وهذا الحراك تدعمه معارضة الخارج، وهذه المعارضة أكثر رجالها من هذه المحافظة، ولا داعي للتحديد بالاسم. - كيف قرأت هجمات القاعدة على أعتى مراكز الجيش: المنطقة العسكرية الثانية، ومجمع العرضي (وزارة الدفاع) وأخيرا المنطقة العسكرية الرابعة بعدن؟ * هذه العمليات تأتي في إطار الحرب والحرب المضادة بين تنظيم القاعدة والحكومة بكافة أجهزتها، خاصة الجيش والأمن، وقد صرح أكثر من واحد من رجال التنظيم، أن تلك الهجمات رد عملي على تعاون الجيش والأمن مع الأمريكان، الذين يستهدفونهم بطائرات الدرونز، فيما يقوم الجيش بتعقب البقية منهم على الأرض. ما يجب أن يؤخذ بالاعتبار هو تكرار تلك العمليات وتحقيق أهدافها دون أن يجري إحباطها.. هناك خلل أمني، هناك خلل عسكري، هناك خلل إداري، هناك عيون تقدم المعلومات للتنظيم دون أن تضع أجهزة المخابرات يدها على تلك العيون! - هل تعني أن الاغتيالات المتكررة تكشف عن عدم وجود قبضة استخبارية قوية ذات كفاءة عالية؟ إن كان ذلك حاصل؛ فأين -برأيك- يكمن الخلل؟ * قياسا على ما يجري في بلدان تعيش نفس الوضع الذي تمر به البلاد، ومع فارق الإمكانيات بيننا وبينهم، يعتبر الأمر مقبولا، لكن أن يتكرر ذلك بذات النمط والجهة؛ فالأمر يشير إلى خلل حقيقي يعتري المنظومات التي تمثل خط الدفاع الأول للبلاد بما توفره من معلومات للأجهزة الأمنية الأخرى عن أي خطر قد تتعرض له البلاد. الخلل هو اتخاذ وضع الدفاع مع تنظيم القاعدة، وهو دفاع فاشل كما ترى؛ لذا يجب أن تأخذ هذه الأجهزة وضع الهجوم وفق ما تخطط له القاعدة.. تخيل أن فريقي كرة قدم دخلا في مباراة مصيرية.. فمن سينتصر؟ لا شك أن كل فريق سيسعى لتسجيل الكثير من الأهداف في مرمى الآخر، لكن يظل الفريق الأقوى تدريبا ومهارة ولياقة وخبرة وتماسكا، هو من سيحقق النصر في النهاية.. هذا مثال بسيط مع الفارق طبعا. - ألا ترى أن كل لجان التحقيق التي شكلت عقب العمليات الإرهابية أو الاغتيالات، لم يعرف رجل الشارع أياً من نتائجها؟ وهل أصبحت اللجان وسيلة لقتل حقيقة تلك الأحداث؟ * في الدول التي تحترم شعوبها، تدار مثل هذه الأمور بشفافية كاملة.. بالنسبة لبلد نامٍ مثل اليمن، ومع ما يمر به من ظروف دقيقة ومضطربة، أعتقد أن هذه اللجان لم تصل إلى شيء يستحق التصريح به، أو لربما هناك ما يجب عدم البوح به وفقا لاعتبارات أمنية أو سياسية تفرض ذلك، عرفا على ما يجري في أغلب بلدان العالم الثالث. - كيف تقرأ تحركات وزير الداخلية منذ تعيينه؟ وهل ستخدم الجانب الأمني وتعزز من هيبته؟ * أتابع تحركاته وقراراته، كمهتمٍ بالشأن العسكري والأمني، وأجدها مؤشرا جيدا على أننا أمام نقلة نوعية متوقعة في الجانب الأمني، مستقبلا، لكن الرجل لا يمكنه أن ينجح بمفرده في القضاء على الانفلات الأمني الحاصل؛ لأن تحقيق الأمن والاستقرار مهمة الجميع، سواء الأجهزة المخابراتية أو الدفاعية أو حتى الجماهير ذاتها.. يجب أن يكون هنالك تظافر قوي من قبل كافة الأجهزة العسكرية والأمنية والمخابراتية، ويجب أن نركز على أهمية دور الإعلام والمواطن في هذا الجانب.. نعم، يجب أن يكون كل مواطن خفير، ويجب علينا، كمواطنين، أن نتقيد بالنظام والقانون، وندع السلاح، وننطلق للعمل والبناء، وأن نعي حجم وكارثية ما يخطط لخراب البلاد، وننظر إلى ما ينعم به من حولنا من الاستقرار والتقدم ونحن على غير ذلك الطريق.. للأسف!