في سورة «المدثّر» يصف القرآن الكريم أحد المكذّبين بوحي الله على عبده ورسوله وخاتم النبيين بالقول إن مقتله كان في تقديره للحال المختلف بين تصديقه بآيات الله وإدباره عنها واستكباره عليها، وهذا ما جاء في قوله تعالى: «إنه فكّر وقدّر، فقُتل كيف قدّر، ثم قُتل كيف قدّر» "المدثّر" الآيات 18-20. في البدء تحيل الآيات سوء الاختيار إلى التقدير وترفع عن التفكير أية مظنة، فالتفكير عملية ذهنية محمودة؛ لأنها تشمل كل أبعاد المسألة وجميع معطياتها بما هي عليه سلباً وإيجاباً؛ لكن التقدير عملية ذهنية ناجمة عن التفكير وتالية له يتحدّد بها الموقف وترتسم بمرجعيتها خطط العمل وآليات التنفيذ، لذا قد تكون محمودة أو مذمومة حسب ما ترتب عليها من تدبير وتنفيذ. ربما تكون مقاربة هذه المفاهيم القرآنية في الخطاب المعاصر ممكنة بالقول إن التقدير هو العملية الحسابية للخيارات والمواقف التي يتخذها المرء أو المؤسسة تجاه القضايا والمشكلات. وعليه نقول إن التقدير القاتل هو الحسابات الخاطئة للخيارات والمواقف، وهذا يكون في المجال السياسي أكثر وأوضح، فالسياسة باعتبارها فن الممكن محكومة بالتقدير في العواقب المحمولة على الخيارات والمواقف من حيث الفوز والفشل والهزيمة والانتصار. وإجمالاً، فإن كل سلوك إنساني محكوم بسلسلة متصلة من العمليات الذهنية تبدأ بالتفكير، ثم التقدير، ثم التدبير بما هو تخطيط العمل وبرمجة أدائه، ثم التنفيذ، ثم الكسب، وما يتصل به من تقييم وتقويم، وأهم حلقة في هذه السلسلة هي عملية التقدير بما تعنيه من معرفة للقدر، أي الدرجة والنوع والمقدار بما هو الحجم والكم، والقدرة بما هي الاستطاعة على أداء الفعل وتحمُّل أدائه ونتائجه. وفي المجال السياسي الراهن في وطننا العربي واليمن تحديداً، يتجلّى مقتل التقدير السياسي في مسارات الحركة والفعل المعبّر عن خيارات الأفراد والمؤسسات السياسية من موقعها في سلطة الحكم أو في معارضته، وأهم مثال على هذا التقديرات القاتلة للعملية الانتقالية في الأقطار التي شهدت انتفاضات الاحتجاج الشعبي عام 2011م، حيث الجداول الزمنية للمهام الانتقالية وضعت بتقدير قاتل؛ أولاً من حيث عدم الالتزام به، وثانياً من حيث تمديد الفترة الزمنية في ظل أوضاع تتطلّب سرعة العمل على تجاوزها بقدر من التخطيط والإنجاز، ومعنى ذلك أن إطالة أمد العملية الانتقالية يرهق الوضع المعيشي بأعباء الجمود وأخطار الانفلات ومخاطر الانزلاق إلى دوامة الفوضى واتساع دائرة الصراع. [email protected]