لا يحتاج المرء الى كثير علم حتى يكتشف الأزمة السياسية المتحكمة بالوطن العربي عامة, وباليمن تحديداً, أو يتحدث عنها مفصلاً او مجملاً, فهذه الأزمة تكاد تكون وحدها الظاهر من وجودنا وتاريخه والخفي من كوارثنا ومآسيها المتجددة بامتياز. إن تجليات الأزمة السياسية الشاملة في تاريخ اليمن الجمهوري قبل الوحدة وبعدها تتحرك في واقعنا الاجتماعي وتشمل كل مكوناته وعلائق هذه المكونات ووظائفها على صعيد النظام العام وسلطة الحكم وعلى صعيد النخب السياسية خارج سلطة الحكم وفي المجتمع كما تشمل البنى المادية والمعنوية التي يتشكّل بها الوعي ويتحدد بها السلوك واتجاهاته نحو النفس والغير ونحو الماضي والمستقبل في حاضر يرث التأزم ويضيف إليه باستمرار. يتحدّد جوهر هذه الأزمة السياسية المتفاقمة في عقلية التفكير ومناهج التقدير والتدبير, ونعني بهذه العقلية أن النظر في المجال السياسي محكوم بسيطرة المواقف المسبقة والأحكام الجاهزة بعيداً عن الواقع والموضوعية وضد العلم منهاجاً ووسيلة, والعقل منطقاً وحكماً , فالسائد في تفسير الأزمة هو اتهام الآخر بها و إسناد مسؤوليتها إلى الغير دون النظر إلى الذات وحضورها في الأزمة, إن لم تكن شريكاً في صناعة الأزمة فهي الضحية لها أو على الأقل متأثرة بدوامتها المستمرة وتعقيداتها المتزايدة بغير انحسار. فالأزمة عند القومي صناعة الاقليمية والاستعمار وعند الديني من إنتاج الخروج من الإسلام ومستوردي الأفكار , أما عند الاشتراكيين فهي نتيجة التحالف بين الرجعية والامبريالية أو هي من منظور الليبراليين صنيعة الماضوية التقليدية وتيار الاسلام السياسي, وكل فريق يرى تجاوزها ممكناً ومتاحاً بالتخلص من الآخر وإلغاء الاختلاف وإقصاء المخالف, لذلك تبقى الأزمة. وتتجدد بأهلها زماناً ومكاناً. ربما نقترب من رؤية الأزمة السياسية كما هي في الواقع التاريخي القائم بنا وفينا إن نحن نظرنا إليها على أنها أزمتنا نحن وكلنا مسئولون عنها إنتاجاً وانفراجاً عندها سنبدأ أولى خطوات الخروج من دوامتها وهي الخطوة التي ستتحقق إذا وإذا فقط أراد كل فريق منا للجميع تجاوز الأزمة, وسعى مستقلاً بنفسه أو متعاوناً مع غيره إلى تغيير واقع التأزم واستبداله بواقع متاح وممكن. الرؤية الكلية للأزمة تضعنا على عتبة الخروج من أغلال الماضي إلى حاضر نملأه نحن ونتحرك به جميعاً إلى مستقبل، إن لم نصل إليه فهو ميراث أجيالنا القادمة. [email protected]