هانحن ندخل شعبان، ورمضان على مرمى البصر... تدور الأيام بنا كأنها مطحنة تطحن حبات حياتنا مُرغمين على التآكل، سواء كنا نياماً أم مستيقظين، جالسين أم نلهث على الطريق، فطريقنا لوحة واحدة تمشي بنا بنفس الوتيرة تسخر من غفلتنا، كم هي الغفلة مقعدة عن النهوض والاستواء. كان العارفون يقولون أبرز ما في الدنيا الغفلة، وأبرز ما في الآخرة الندامة... الندم لأننا أحرقنا عمرنا وساعاتنا التي هي رأس مالنا ومحل استثماراتنا لدار الخلود. من يستثمر عمره لدار الخلود فهو الرابح والاستثمار توفيق وتأمل ونظرة لهذا العمر الهارب يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة وقالوا الله يرحمه كان طيب.. هذه نرددها لمن يموت، بينما صدى النفس يعزينا بنا والحازم من يتيقظ ليستثمر الأيام في الصدق، لأن الصدق منجاة ويُعد لرصيد في بنك الخلود باستثمارات المعروف لمن يعرف ومن لا يعرف.. يكفي أن المعروف وحده يقي مصارع السوء، بينما كل ما يفعله الإنسان من جمع حرام وقتل النفس المحرمة ومجاملة القتلة، إنما يصنع لنفسه مصارع سوء في الدنيا والآخرة. المعروف الذي يُبنى صرحه بالتواضع والنظر إلى الناس نظرة حُسن ظن، من أحسن الظن بالله أحسن الظن بالناس، لأن حُسن الظن يدفعك لكثير من صور المكارم وأعمال المعروف، بينما الشك والريبة يحرمك من الخير ويمنع خيرك من الانسكاب في حديقة الإنسانية المربحة, حسن الظن ينبت الخيرات وسوء الظن يستنبت الشرور ويوقظها... هذا الإنسان هو محل المعروف الكبير. تبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق «المساهمة العامة» والحفاظ على المصالح العامة صدقة وواجب ودين وأخلاق، وإعانتك للضعيف في حاجته أو نكبته بما تملك ولو بكلمة دون مقابل أو ابتزاز أو مَنٍّ.. كلها من شُعب الإيمان، تطبيقاتها بين الناس وليس في الصومعة والمحراب، فالعبادات الخاصة على أهميتها الروحية شرعت ليكون الفرد قرآناً يتحرك وإنساناً صالحاً يهطل مثل الغيث.الرحمة والشفقة والنجدة والتسامح والمعروف كلها ميادين تخرج أيامك من الاحتراق، وعمرك من أن يندثر بيديك وأنت تبحث عن قتل الوقت وتقتل أعز ما لديك، بعيداً عن المعروف وميادين الرحمة والإحسان والإنتاج والإبداع. الحضارة والمساهمة فيها هي قمة العبادة وهدف الإسلام هو العمران والحضارة والتأمل واكتشاف أسرار الكون وتوظيفه لصالح الإنسان على قاعدة الحرية وقيم الفضيلة وليست السلبية والقال والقيل وصغائر الأعمال. أنت تموت كل لحظة وتعمل كأنك من الخالدين ولا تعلم أن أنفاسك ليست أكثر من صور النزع والاحتضار الذي يمر بسرعة البرق لتدور الأيام بنا ونحن في غيبوبة.. إنها خسارة كبرى أن يذهب عمرنا الهارب والقصير في غيبوبة وغفلة لنحرق أعز ما نملك ونخرج مفلسين.. اللهم وفقنا برحمتك... وجمعتكم مباركة. [email protected]