الصدق رأس الفضائل في الانسان وأوضح دلائل الإيمان، وهو دليل على نزاهة النفوس وعلو الهمة، وصلاح الشيم، وعلو الشمائل، وبه تمام المكارم، وهو علامة صادقة لأولياء الله المتقين، والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة. وإن من أحسن ما تنشأ عليه الأجيال وتتربى عليه النفوس، تعويد اللسان على الصدق وردعه عن الكذب، فإنه علامة الأمانة.. فإذا تربى الناس على الصدق في عبادتهم ومعاملاتهم، وفي سلوكهم وأخلاقهم، فأبشروا بأمة تقود الأمم إلى الرخاء والأمان. والصدق منجاة لصاحبه، وإن شعر أو ظن أن فيه الهلكة، روي أن الحجاج جلس يوماً ليقتل من ثار عليه من أصحاب عبدالرحمن بن الأشعث، فقدم إليه رجل منهم فقال: أصلح الله الأمير، إن لي عليك حقاً، قال: وماهو؟ قال: سبك عبدالرحمن يوماً فقمت دونك، فقال الحجاج: ومن يعلم ذلك؟ فقام الرجل عند أصحابه وقال: أناشد الله رجلاً سمع ذلك مني، فشهد لي، فقام رجل منهم وقال: قد كان ذلك أيها الأمير، فقال: خلوا عنه، ثم قال للشاهد: فما منعك من أن تفعل مثلما فعل؟ قال: بغضي فيك، فقال الحجاج: وخلّوا عن هذا لصدقه، فنجا من حيث لم يتوهم، وتخلص من حيث لم يعلم. الكذب رأس الرذائل، وبه يتصدع بناء المجتمع ويختل نظامه، ويسقط صاحبه من العيون، وتدور حوله الظنون، فلايصدقونه في قول ولايثقون به في عمل، ولايحبون له مجلساً، وأحاديثه منبوذة، وشهاداته مردودة عليه وفي مهاوي الكذب الذلة والهوان، والكذب يزري بأقوام وإن سادوا، وهو يقود إلى التهلكة، وإن ظن الكاذب أنه يهدي إلى النجاة.. يقول الأحنف بن قيس: ماكذبت منذ أسلمت إلا مرة واحدة، فإن عمر سألني عن ثوب بكم أخذته؟ فأسقطت ثلثي الثمن. لايكذب المرء إلا من مهانته أو فعله السوء أو من قلة الأدب لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جد وفي لعب