حزين أنت يا وطني وقد تكاثرت حولك أسنّة الحراب وألسنة كل متردية ونطيحة وما أورثته لنا غواية عديمي الولاء لذرات رمالك الندية.. حزين أنت يا ملاذ التائهين ومأوى الحائرين ومغيث الموجوعين قد جعلوا كل أقاصيك أنيناً ووجعاً ومعاناة.. مؤلم أن تعيش يا وطني بين مد الخبث وجَزْر الانتقام, هنيهة يأخذك المرتزقة إلى جبّ الغواية وأخرى يجذبك المارقون لكهف الظُلمة, تارة يعصف بك الناقمون شتاتاً وأخرى ينتقم منك المرهونون لرنين الدراهم البخسة. عجيب أمرنا وقد سقطنا من شاهق الأماني إلى قعر الصراعات, من عظيم التمني إلى بؤس الانتقامات, من وارف الحلم إلى ضحل التكهنات, موجع هو ثراك يوم حوّله المتناحرون إلى بؤر مجون ملؤها سفه و قباحات إنما يظل هذا الثرى زاكياً يوم دثّرتهُ دماء من أحبوك حد التماهي مع فوح طهرك. حزين أنت حين ترى ملامحنا وقد طغت عليها القسوة بينما نحن موسومون في سفر الرحمة أرق قلوباً وألين أفئدة لكننا خذلناك حين ما جنينا من زبد القبح إلا مُر العداوات وقوم أكثروا فيك النحيب وزادوا فيك طعن اللدغات.. غريب أنت بيننا حين ارتأى لنا المردة أن يشقوا الصف وينثروا فينا الشتات. حزين أنت يوم فقدنا الهوية والإنسانية فقدنا الولاء المطلق لترابك.. فقدنا التآخي وغادرتْنا الروح المطمئنة إلى أصقاع موحشة من الخوف والشك حتى في أنفسنا وفيمن حولنا. صار القتل والنفس المتشنجة أكبر سلاحنا لترجمة مكنون نفوسنا.. ابتعدنا كثيراً جداً عن إنسانيتنا المُداسة تحت كهنوت الهمجية والرجوع لزمن الغابة ولمبدأ القوي يفتك بالضعيف ويغتال كل بريق للسلام والأمان.. حكمتْنا الجهالة والتعصّب الأعمى وجبروت الجاهلية الأولى وغطرسة السلاطين المردة التي استولت على كل تفكيرنا وعقولنا ولم نعد نحكّم العقل والضمير في شيء, سيّرتنا البشاعة ورائحة الدماء المراقة واستهوتنا الجريمة والأشلاء المتناثرة والعظام المسحوقة لحساب مروجي الموت وتجّار الحروب مصاصي دماء الأبرياء. هكذا صارت عناوين وطني الحزين اليوم وصارت لوحاته مُضمخة بالموت والشتات والتناحر.. هكذا أصبحنا نمجّد الإجرام والعيون التي تلمع شرراً وضغطة الزناد اقرب إلينا من حياة النفس التي (ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعاً).. هكذا صار حق الحياة غير مكفول لأحد وما هو متاح غير موت أصبح يشاركنا الأنفاس ويزاحمنا على نبض صار متهتك ومهترئ الخفقات, بعد هذا كله يحق لنا أن نتساءل: يا ترى من نحن وهل أصبحنا نحن أم استبدلنا بقوم آخرين ومن الذي استبدلنا يا ترى؟ وإلى متى سنظل مرهونين في يد من استبدل إنسانيتنا وضمائرنا بفحيح الضغائن وبروح شيطانية ساردة في البغاء والتنكيل وكيف أصبحنا قساة غلاظ هكذا؟ حزين أنت وأنت تلمح الهاربين إلى ظلّك الظليل في حيرة يتساءلون ويقولون: لماذا كل ما أردنا أن نحفر في الجدار بقعة ضوء تكاثر حولنا غربان ينعقون بكل قبح وفُرقة؟ لماذا كل ما ارتجينا أن نشعل بصيص أمل أطفأتها خفافيش يلوكون العداء ويعشقون أن يروك تنزف وهم يستمرئون نزفك؟ فليس لهذه الغصص العالقة في أكبادنا والعلقم الذي نحتسيه مع كل زفرة شهيق وزفير سوى أن نعود إلينا، إلى تراحمنا وودنا كشعب مهما جارت عليه أزمنة العداء يظل متوحداً على كلمة سواء هي الوطن ولا شيء غيره. بوح الحرف: حياتنا.. كيف سترتد إلينا بصيرة! ومن سيلقي قميص يوسف في وجه أمانينا الضريرة! ومتى سنلملم ما تبقّى لنا من فتات ملامحنا الحزينة؟.