هناك من يعتاش على صناعة الأزمة، وهناك من وجوده يمثّل الأزمة ذاتها، بالإمكان أن نلمس هذا بوضوح بالتزامن مع كل مهمّة وطنية، وفي جلل كل حدث عام يفترض أن يتم إنجازه على نطاق جغرافي ومجتمعي واسع. سيكون من السذاجة مثلاً فصل قضية تسريب اختبارات الشهادتين الأساسية والثانوية عن سياق عام من الاستهدافات الممنهجة الرامية إلى إعاقة الواقع والإساءة إلى مشروع التغيير برمّته، وإن حاول مفتعلوه أن يبدو كما لو أنه فشل ذريع لخصم سياسي يخوضون معه حرباً ضروساً على كافة الأصعدة؛ في حين أن نتائج هذا اللعب الرخيص تأخذ بالرجلين مجهودات، نفقات، وأوقات كل من الدولة والمواطن على حدٍ سواء. نزعة الكيد أخذت أبعاداً جنونية، واستطاعت بطرفة غل أن تصرف التركيز إلى مجرد ترميم الفوضى وردم هوات الدمار كبديل عن البناء والإعمار هدف المرحلة الأساس. هذا النجاح في افتعال الأزمات ما كان له أن يكون لولا تجذُّر ثقافة الفساد على مدى العقود الماضية والتي تستظل بمزاج اجتماعي بدا ميالاً، متناغماً، ومتماهياً إلى حد لا يُصدق مع هذه الظواهر الشاذة المرتكزة على الحلول السهلة واقتناص الفرص السانحة. أحدهم – وهو طالب جامعي – يقول لي: “الحمد لله وفّقنا الله واستطعنا الغش اليوم..!!” على اعتبار أن الغش أصل يباركه الرب ويوفّق من اصطفى من عباده للعمل به، فيما الاستذكار والاجتهاد استثناء هامشي يمكن تجاوزه والقفز عليه بكثير من الفهلوة وإبراز الشعارات الدعائية والحزبية وبقليل من حشد العصبية العمياء التي تعبّر عنها معدّلات التجمهرات والتجمعات البشرية أمام مراكز الاختبارات ليصبح معيار النباهة والذكاء قائماً على قاعدة أخلاقية مقلوبة أحقرها وأدناها يحدّد مصيرنا الوطني حالياً ومستقبلاً للأسف الشديد..!!. تتشعّب مسبّبات وعوامل ظاهرة الانسياق خلف طلب هذا النجاح الزائف من قبل المجتمع وفي مقدّمتها غياب الرؤية العامة للتعليم، سوء التخطيط، رداءة المناهج، شحّة توافر المعلمين المتخصّصين بالمواد العلمية «رياضيات، كيمياء، فيزياء، أحياء واللغة الإنجليزية» عدم الاهتمام بتأهيل وتدريب الكوادر، بالإضافة إلى تأثير غياب العدد المهول من المعلمين الوهميين المحسوبين على التربية المشار إليهم في تقرير الوزير الأشول أمام البرلمان والذين كان وجودهم الفعلي في الميدان سيشكّل فرقاً كبيراً خصوصاً في المناطق النائية ومناطق القبائل، لكن يبقى غياب الضمير وموت الوازع الديني والأخلاقي الذي يدفع بعض التربويين حتى على مستوى المناصب العليا إلى تسريب امتحان، أو تحويل المراكز واللجان إلى أوكار لممارسة الغش لسبب أو لآخر هو الطامة التي تقصم ظهر الوطن وتطعن الأمل في قلبه «التعليم والشباب». رئيس مركز امتحاني تابع لمحافظة صنعاء؛ وعلى غرار ما سرت عليه العادة في غالبية المراكز الريفية، لا يفوّت فرصة ولا يعدم وسيلة قديمة كانت أو حديثة في أن يسهم ويشرف على تكريس الغش كعادة سنوية وكلازمة ترتيبية متعارف عليها ومعترف بها مع بدء موسم الاختبار، لا يستحي أن يتلاعب بالمصطلحات، يجمّل خياناته؛ محاولاً تصوير عملية التزوير والغش في مركزه بوصفه «مساعدة للطلاب» وليست جريمة وطنية هدفها الأول ستر عورات أدائهم الهزيل وضعف كفاءتهم، وثانيها تمرير ثلّة من الفشلة ممن تجمعهم بهم صلة قرابة أو مصلحة من أي نوع..!!. لا يدري المرء منّا بأي عقلية يفكّر أمثال هؤلاء وهم يقودون التعليم والأجيال إلى هاوية التجهيل والبلادة، ولا يدري لماذا لا تمارس الجهات المعنية صلاحياتها في تعريتهم وتجريدهم المناصب والمواقع التي يتبوأونها والتي استغلوها أسوأ استغلال، ولا يدري في أي مرفق وفي أي زمان سيلمس التغيير الذي طالما حلم به وننشده..؟!.