ما ذهبت إليه من استنتاجات حول الشرق والغرب ليس من عندياتي ، بل نجده مسطوراً أو ممارساً بكامل البشاعة ، وبثبات منقطع النظير ، وبقدر كبير على التحامل ، ونكران حكمة التاريخ والجغرافيا، وصولاً إلى تبني النظريات العنصرية ضد الآخر المختلف في جذوره الدينية والحضارية . وهنا يقتضي الإنصاف الإشارة إلى علماء الغرب الجغرافي الأجلاء ممن غادروا هذه النزعة وساجلوها بكفاءة العارفين المدركين لقوانين الوجود والمجتمعات البشرية، واقفين ضد الغلو والتعصب والمصادرة، مطالبين بالتعددية الإنسانية الحضارية بوصفها شوكة الميزان الضابط للعدل والكرامة والمساواة والحرية ، وسأذكر هنا بضع أسماء كان لهم دور تنويري كبير في إجلاء المفاهيم الناظمة لمعنى الخلاف والاختلاف، ومنهم عالم التاريخ المفكر الفرنسي الكبير جوستاف لوبون الذي كتب عن حضارات الشرق ليعدل الميزان المغلوط للقراءات الأيديولوجية الصليبية للعلاقة بين الغرب الأوروبي والشرق العربي الإسلامي ، كما أسهم الفيلسوف ومفكر اليسار العتيد كارل ماركس في كشف الميتافيزيقيا السوداء التي طالما تدثرت بالدين، والدين منها براء، كما أشار بالبنان لمحنة الشخصية اليهودية النمطية في مؤلفه الهام بعنوان «في المسألة اليهودية» كاشفاً العلاقة الوثنية بين السيكوباتزم التاريخي اليهودي المقرون بعبادة المال المجرد. وتابعنا قبل حين ذلك الموقف الرفيع للراحل المفكر الكبير روجيه جارودي، الذي حاصرته الدوائر الصهيونية بعد أن باشر مجرد مراجعة إجرائية معلوماتية لضحايا الهولوكست اليهودي في الحرب العالمية الثانية، ودون أن ينكر الواقعة، وفي رومانيا واجه البروفسور أيلي بويا حصاراً منهجياً من قبل الدوائر اليهودية المتصهينة بعد صدور كتابه الهام عن تاريخ فلسطين والذي كشف فيه تهافت المقولات التي بررت قيام دولة إسرائيل، مقدماً إحصاءات دقيقة عن واقع الحال في فلسطين قبل وعد بلفور، مستخدماً منهج المراجعة التاريخية لما يتم تعميمه من خطاب يجافي الحقيقة . لقد واجه البروفسور أيلي بويا مطاردة معنوية وحصاراً مؤلماً حتى مات في بيته بعد سنوات من الاستبعاد القسري من الجامعة والوسط الثقافي المعرفي في بلاده. [email protected]