يوم الأربعاء الماضي الموافق 13 يونيو الجاري, وفي “ سور مارون” جنوب شرق فرنسا, وعن عمر ناهز أل 98 عاما, اختار الله تعالى إلى جواره المفكر الفيلسوف المسلم “ ريجيه جارودي” أو “ رجاء جارودي” كما سمى نفسه بعد إشهار إسلامه في 2 يوليو عام 1982م في المركز الإسلامي ب “جنيف” . وبوفاته خسر العالمان العربي والإسلامي, والإنسانية جمعاء فيلسوفا ومفكرا نذر حياته, وبخاصة بعد إسلامه, من أجل قيم العدالة الإنسانية والدفاع بالفكر والحجة عن الإسلام, ومقارعة الصهيونية والامبريالية والرأسمالية الغربية, وجابه بصلابة حربا شعواء شنتها ضده إسرائيل وأمريكا وصل إلى حد محاكمته والحكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وتغريمه 20 ألف دولار من قبل محكمة فرنسية في العام 1998م, فمن هو “ رجاء جارودي”؟! في “ مرسيليا” جنوبفرنسا ولد الفيلسوف جارودي في 17 يوليو 1913, وحاز على الدكتوراه من جامعة “ السوربون” عن كتابه ( النظرية المادية في المعرفة) عام 1953م, وامضي في عضوية الحزب الشيوعي الفرنسي قرابة 35 عاما إلى العام 1970م عندما قرر وضع حد لأفكاره الشيوعية التي تتنافى مع القيم الإنسانية الخلقية على الرغم من تضمنها مبدأ العدالة لاجتماعية, فوقف في مؤتمر الحزب الشيوعي الفرنسي ليلقي خطبته الشهيرة, والتي بدأها بعبارته المشهورة “ لم يعد الصمت ممكنا”, وقدم فيها وجهة نظره المعارضة لأفكار النظرية “ الماركسية”, مما أدى إلى طرده من الحزب الشيوعي الفرنسي بعد ذلك . أثرى “ رجاء جارودي” المكتبات العالمية والعربية والإسلامية بعشرات المؤلفات الفكرية تجاوزت أل (50) مؤلفا, ترجم معظمها إلى عديد من اللغات بما فيها العربية , ففي كتابه “ نظرات حول الإنسان”, قدم صورا حية لأكثر التيارات الفلسفية المعاصرة التي جاءت تعبيرا عن أزمات العصر, ومن هذا المنطلق جند نفسه للدعوة ل “ حوار الحضارات”. بعد مجازر “صبرا ” و“شاتيلا ” التي اهتز لها الضمير العالمي، أصدر جارودي بيانا نشرته “اللوموند ” الفرنسية في 17 يونيو 1982م حمل عنوان (معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان ) ، وفي أثنائه هاجم آلية الحرب الإسرائيلية والعقيدة الصهيونية المدمرة للإنسانية وألمح فيه إلى رحابة صدر الإسلام ، وبعده بأسبوعين أشهر إسلامه وتحديدا في 2 يوليو من ذات العام ،كما أسلفنا .من أشهر مؤلفاته وبخاصة بعد إسلامه : [وعود الإسلام]،و[الإسلام دين المستقبل] و[المسجد مرآة الإسلام] و[الإسلام وأزمة الغرب ] و[حوار الحضارات] و[الولاياتالمتحدة طليعة التدهور] و[الإرهاب الغربي] و[فلسطين مهد الحضارات]، وقد نال جائزة الملك فيصل ،العاهل السعودي رحمه الله عل كتابيه الأول والثاني في العام 96م . أما كتابه [ الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل] ،الصادر في عام 96فقد زاد من ضغينة إسرائيل عليه ،وعدّته تشكيكا في المحرقة النازية لليهود المسماة ب {الهولوكست}مما سعت عن طريق اللوبي الصهيوني العالمي لحرمانه من جائزة“نوبل” الذي رشح لها وذلك بتدبير محاكمته في العام98م،كما أسلفنا . أوردت موسوعة {يوكيبديا} العالمية عن“جارودي” ما يلي :(في كتابه الإسلام دين المستقبل كتب يقول عن شمولية الإسلام :{أظهر الإسلام شمولية كبرى في استيعابه لسائر الشعوب ذات الديانات المختلفة،فقد كان أكثر الأديان شمولية في استقباله للناس الذين يؤمنون بالتوحيد، وكان في قبوله لأتباع هذه الديانات في داره متفتحا على ثقافتهم وحضارتهم . والمثير للدهشة أنه في إطار توجهات الإسلام استطاع العرب آنذاك ،ليس فقط إعطاء امكانبة تعايش نماذج لهذه الحضارات، بل أيضا إعطاء زخم قوي للإسلام فقد تمكن المسلمون ،في ذلك الوقت، من تقبل معظم الحضارات والثقافات الكبرى في الشرق وأفريقيا والغرب وكانت هذه قوة كبيرة وعظيمة له . وأعتقد أن هذا الانفتاح هو الذي جعل الإسلام قويا ومنيعا.) وخير ما نختتم به هذا المقال عن الراحل الفرنسي الفيلسوف “رجاء جارودي” رحمه الله ما قاله عنه المفكر العربي الدكتور “ علي مبروك” أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة ،في تصريح له نشرته “اليوم السابع” المصرية صباح الخميس الماضي :(حينما أعلن الفيلسوف الفرنسي إسلامه تعامل البعض مع هذه القضية وكأنه مسلم أصولي ، في حين أن حقيقة إسلامه تدين “التأسلم السياسي”.فإسلام جارودي تميز دائما بالبحث عن الإنسان،وهو ما يساعد في تلخيص شخصية هذا المفكر الكبير في جملة واحدة وهي أنه “فيلسوف الإنسان” ) Ali.15@ hotmail.com