المنطوق الأخلاقي والوطني والإنساني يؤكد أن استخدام وتوظيف الطائفية والمناطقية في السياسة والخلافات السياسية من أشدّ الذّنوب ، لأنها تقتل المحبة والوطنية في وجدان الناس وتُدمّر أُسس الدولة وتحولها لمجرد غنيمة تتقاتل عليها قوى طائفية وأطراف سياسية متناقضة ، تعمل جاهدة لتخدير وتعمية البُسطاء عن اكتشاف الحقائق ، والسعى لإفساد الذّمم في المؤسسات ، لاخراج جيل مهزوم ، ضعيف ، محبط غير قادر على الإنتاج والتصرُّف السليم ورفض الواقع المشوه ، الأعوج . أي تعبير يمكن أن نصفَ به الطائفية،أقرب من إنّها لعبة مع الشيطان تُعدّ أسرع وأخطر أداة لإنتاج الموت ، وبعث القُبح وتنمية أفكار متطرّفة تُعمّق الجهل والتخلُّف والقطيعة مع العصر، وربّما ليس هناك فارق كبير بين( الطائفية - الإرهاب )، فكلّ المتورّطين مع هاتين الجائحتين يستقون أفكارهم من معين واحد وهو فهم الدين بطريقة خاطئة، إلى جانب تشبُّعهم بالأمية وتعليمهم - إن كانوا قد نالوا قسطا منه - بطريقة متخلّفة ، سيئة تُغطيها التقاليد الجامدة والأفكارعديمة الحيلة والجدوى . بدون أي شك إن مجتمعنا غير طائفي ولم تنبت الطائفية في أرجائه يوماً ، لكن هناك من يحاول اليوم أن يزرعها ، وحتماً سيفشل ، ورغم ذلك فالصراع القائم خطير وله انعكاسات سلبية على البلد ، ومن باب الأعتراف بالمشكلة ، نقول هذا الكلام ونقول - أيضا - إن هناك قطاعاً واسعاً من الناس صاروا أسرى مخاوف عميقة وقلق هائل على حياتهم وأطفالهم وأعراضهم وممتلكاتهم ومستقبل أبنائهم ،ولديهم رغبة عارمة في تأمينهم وتأمين حياتهم ممّا يجري ، وبهذا الخصوص هناك قاعدة متعارف عليها وهي ، إنّه كلمّا زادت المشاكل وأحتدمت الصراعات وأخذت بالتوسُّع ، في المجتمعات يُصاحبها قلق ومخاوف لدى الناس تؤدّي ، بصورة أو بأخرى ، لتشتيت جهودهم وأفكارهم ، وتحويلهم إلى عاجزين وحيارى ،مسكونين بالأوهام والتفاصيل الصغيرة والكبيرة ، يفتقدون للقدرةو القدوة والتخطيط السليم ، و كل منطق يقود لإتخاذ القرارت المناسبة، مع شدّة وسرعة الحسم في كل القضايا المصيرية. تقريبا جميع الأطراف متّفقة على وجوب تطهير البلد من الإرهاب ولفضه من المجتمع ، والجميع متفقون على ضرورة تخليص الناس من المخاوف وتجنيبهم من الصراعات وسموم الطائفية ، لكنهم لم يتفقوا بعد على الطريقة والآلية التي يواجهونهما بها ، لأنهم - أصلا - مختلفين سياسياً ، وهناك تراكمات وإرث من الثأرات ، إلى جانب مستجدات طرأت على المشهد السياسي برمته وغيرت اللعبة تماما ومعها خارطة التحالفات والمواقف . لكن دعونا من ذلك وتعالوا بِنا نتفق ، كأقل تقدير ، على حقيقة إن الجهل عدو الإنسان الأول ، والإرهاب والطائفية ، هما الابن الشرعي الأكثر خطراً وتشوهاً له ،لأنهما لا يريدان لحياة الناس أن تستمرّ بصورة طبيعية وراقية، لهذا نلاحظ إنه حيثما وُجِد الجهل وغابت الديمقراطية الحقيقية والعدالة والمساواة يطلا على الشعوب برأسهما الكريه مصطلحا ( الإرهاب - الطائفية) ، أو أحدهما، ليقوما بتدمير المجتمع وإماتة الناس ، ولا مشكلة لدى من يجند نفسه لخدمة هذا الوحش ويحمل أفكاره الضالّة ، المُضِلة ،القاتلة من توظيف جميع الوسائل والمكائد وممارسة جميع نقائض الأشياء والتحالف مع كل شذاذ الأرض ممن لا يؤمنون إلا بنزعات الشر والعدوان والجريمة. أخلصُ في حديثي هذا الذي أكتبه على وقع رصاص وإنفجارات لا حصر لها،وأقول :إن حماية المجتمع وتأمينه والدفاع عن كيان الدولة من التصدُّع والصراعات ،مسؤلية الجميع ، دون استثناء ، وعلى كل يمني، سواء كان مسؤلاً، أوإعلامياً ،أورجل دين ، أوسياسياً ،أومثقفاً، أوصحفياً، أوأكاديمياً، وغيرهم، رفض ولفض ( الطائفية - الإرهاب - المناطقية - العنصرية ) . وفي هذا السياق ، أعتقد إنه من الفائدة تذكيركم بالخطوة الرائعة والمتقدّمة التي أتخذها رؤساء تحرير الصُّحف القومية والأهلية في مصر مطلع هذا الأسبوع ، حينما تداعوا لاجتماع خرجوا من خلاله بإتفاق هو عبارة عن ميثاق شرف تضمّن قرارت هامة ، لا أذكرها نصّاً ، لكن أهم ما فيها ، هو التوقّف عن نشرالبيانات المحرّضة على الدولة والمسيئة لها ، والاتفاق على عقد لقاء مع رؤساء القنوات التلفزيونية والمجلس الأعلى للصحافة لوضع خطة مشتركة لمواجهة الإرهاب ، مع التأكيد المطلق على منع تسلل الداعمين له وللفوضى وأعداء الدولة إلى الإعلام. إذن ألستم معي إن هذا باعث على الإعجاب ، وربّماهو أبسط واجب يمكن أن يعمله من ينتمي لوطن ويحمل همّه ويؤمن بثوابته؟! وألستم معي - أيضا - إن هذه أقل مشاركة محترمة يُمكن أن يقوم بها المرء من أي موقع كان لحماية شعبه وكيان دولته والإنتصار لوطنه وقضاياه الكبرى؟! [email protected]