سلاسة الانتخابات البرلمانية التي نجحت بصورة مذهلة في تونس قد أظهرت وبكل صدق الوعي الديمقراطي من خلال ممارسته لهذه العملية بكل شفافية وتجرّد عن الأنانية وانحيازه إلى نفسه باعتبار أنه المعني الأول بهذه الانتخابات والتي ستنعكس إيجاباً على مسار حياة المواطن السياسية والاقتصادية، حيث ستكون الأساس والمدماك القوي لبناء الدولة التونسية الحديثة التي يتطلّع إليها الشعب التونسي العظيم. فكيف لا يكون لهذا الشعب الواعي مثل هذا السلوك الراقي بتعامله مع الانتخابات حيث كان العامل الهام والأول على إنجاحها بهذه الصورة المشرّفة وهو أول شعب عربي انتفض ضد الظلم والقهر والديكتاتورية التي كانت جاثمة على صدره لعقود خلت، وما لإحراق البوعزيزي لنفسه والتي كانت الشرارة لانطلاق الثورة إلا ترجمة حيّة لكل ما كان يحسّ به كل تونسي من قهر وظلم، فتحول كل ذلك إلى ثورة شعبية عمت كل مناطق البلاد من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، فخرجت الجماهير إلى الشوارع ولم تعد إلى أماكن تواجدها إلا بعد أن فرّ الديكتاتور ونجا بجلده إلى خارج البلاد، وكلنا يعلم كيف عانى الكثير وهو يتخبّط في طائرته المقلة له فلم يجد بلداً يقبله خصوصاً تلك التي كان يعتبرها من البلدان الصديقة وهذا ما أكد المقولة إن الظلم ظلمات في النهاية، نقول: إن الشعب التونسي من الشعوب العربية القلائل الذي استطاع أن يقضي على الأمية فيه ومن القلائل الذي يمتلك وعياً عالياً وإدراكاً قوياً لمصالحه، وقد تجسّد ذلك بأن مارس حقه الديمقراطي بكل قناعة وبعيداً عن الارتهان لهذا الحزب أو ذاك أو هذه المنطقة أو تلك بل مارس هذا الحق لكي ينعكس على مصلحة البلاد والعباد بل وما زاده عظمةً وكُبراً هو مكوناته من أحزاب ونقابات وغير ذلك من المكونات التي نزلت إلى ميدان الانتخابات وشعار الجميع هو: «تونس أولاً»، لأن نجاح الانتخابات هو نجاح لتونس. العالم كله أشاد بالتجربة التونسية وأنها الأولى في الوطن العربي وخصوصاً في بلدان الربيع العربي لما تميزت به هدوء وكلٌّ اعترف للآخر بحق النجاح بشرط الشفافية والابتعاد عن التزويد وشراء الذمم بالمال السياسي وهذا ما تم، مما جعل العالم يشهد بنزاهة العملية الديمقراطية حتى الأحزاب التي لم يحالفها الحظ في النجاح لم تشكك بل باركت للحزب الفائز فيها، لذا نتمنى من كل الشعوب العربية، أن تقتدي بالتجربة التونسية الناجحة وأن تجعل منها درساً يُستفاد منه في فعالياتها القادمة حتى نرتقي بأدائنا وسلوكنا إلى مستويات أفضل تجعل من كل شعوب العالم تنظر إلينا باحترام وأن يكون هذا هو رد على من يشكك في قدرتنا على ممارستنا للديمقراطية فهذا ما يقوله بعض الساسة الغربيين إن الديمقراطية فوق مستوى وعي المواطن العربي، وكان بداية ردنا على ذلك هو ما حققه شعب تونس من انتصار كبير في هذا الخصوص، فشعوبنا العربية قادرة على أن تمارس حقها لو أعطي لها حقها من الحرية وابتعدت القيادات والأحزاب النفعية في الحول دون ذلك.. أخيراً نقول: سلام الله على شعب تونس العظيم.