ما من شيء يقرب الإنسان من حب الخير والسكينة واللين وحسن الخلق مثل القرب من الله، ففي مناجاته آمن، وفي الصلاة بين يديه شرف، وفي اللجوء إلى حضرة جنابه رفعة، وفي التواضع إلى مقامه سمو، فمن يستطيع أن يؤذيك والله رفيقك؟ ومن يستطيع أن يظلمك والله وكيلك؟ وماذا يضرك لو تركك الأقربون والأبعدون والله معك في كل مكان؟!! لحضور الإيمان في القلب وازع بين الإنسان وبين الوقوع في أية زلة، لأن لهذا الحضور سلطان على الفكر والجوارح وقدسية تسكن بين الجوانح.. وبالعكس من ذلك فإن لغياب الخوف من الله ظلمة في القلب وهيمنة، يصنعها الشيطان صنعاً حتى تصبح السجية فاسدة والبطانة معطوبة، ولا حدود تفصل بين هذا الغياب وبين الوقوع في الرزايا والبلايا إلا الموت.. موت يسبقه عذاب ويتلوهُ عذاب. اليوم وصلنا إلى هذه المرحلة من غياب الإيمان والخوف من الله واستشعار ساعة الوقوف بين يديه لدرجة أن يبيع الإنسان وطنه ويجحد فضل من أحسن إليه ويقتل أمه ويهز عرش الرحمن بإتيان المحرمات التي ما كان لها قبل اليوم ذكر بين البشر، وكأن الشر الذي في نفسه قابل للتطور كلما رواه بالمعصية أكثر فأكثر. لم يجرّب البعض مذاق الطاعة حتى يجد الفرق بين المقامين، مقام العبودية لله وحده ومقام العبودية للنفس والشيطان، إن هذه الوحشية التي أصبحت تغلف أقوالنا وأفعالنا وربما حتى نوايانا الجادة منها وغير الجادة لم تأتِ من فراغ، وإنما حدثت بفعل الابتعاد عن كل سلوك إيجابي أو فضيلة راقية دعا إليها ديننا الحنيف وأكدتها السنة النبوية المطهرة، وإذا ما أخذنا بعض تلك السلوكيات أو الفضائل على سبيل المثال لا الحصر وتتبعنا آثارها ونتائجها المثمرة والإيجابية لعرفنا ثمار الخير والاعتدال والوسطية التي يدعو إليها ديننا الحنيف، ولعرفنا أيضاً حجم الهوة التي صنعناها بأيدينا بين ما نفعل وما نقول من متناقضاتٍ عديدة حالت بيننا وبين تحقيق التوازن الاجتماعي الذي نقرأ عنه ونعتقد إننا نحققه في مجرد شعارات أو مبادرات أو فعاليات لازالت على السطح. وإذا تتبعنا مسار إحدى الفضائل التي دعا إليها ديننا مثلاً كالكلمة الطيبة على أساس القاعدة القرآنية الربانية:{ألم ترى كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها “25” ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار “26” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء “27”} “سورة إبراهيم”.. انظر معي قارئي الكريم لو إننا طبقنا هذه القاعدة سلوكياً وفكرياً لتلاشت كل تلك المواقف وردود الأفعال السلبية واللا أخلاقية التي تصر عن من يترك لنفسه ولسانه المجال للتخاطب مع الآخرين دون حدود ولا قيود.. مواقف تنتهي بالعقوق، وأخرى تنتهي بالقطيعة، وثالثة قد تفضي إلى القتل والعياذ بالله، ولم يكن السبب في كل هذا إلا بذرة لفظية ألقاها صاحبها دون أن يعي عواقبها قاصداً أو غير قاصد.. فالمهم أنه تجاهل مثل هذه القاعدة الأخلاقية للتعامل مع الناس، وهذا يزكيه أيضاً قول رسولنا الكريم “ص”: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) صدق رسول الله. فأين نحن اليوم من كمال الإيمان والرغبة في الإحسان ومصاحبة القرآن؟! لقد ابتعدنا كثيراً عن طريق الحق وما من حل ككل هذه الفتن التي نعيشها إلا بالعودة إلى هذا الطريق، لعل وعسى.