لايزال التراث الثقافي المتمثّل في المخطوطات والمؤلفات والفنون المختلفة، وكذلك المأثورات الشعبية والآثار بحاجة ملحّة لمضاعفة الاهتمام للمحافظة عليه وصونه وحمايته من العبث والتشويه أو الاندثار، والأهم من ذلك هو حماية ما تتعرّض له بعض تلك الكنوز التراثية من السطو والتهريب، وهنا لانزال ننتظر أن يتضح دور وزارة الثقافة والجهات الأخرى المعنية بالضبط والربط للحد من ذلك العبث، عبر التنسيق ووضع الضوابط اللازمة والصارمة ضد كل تصرف أو عمل مريب. وقبل مطالبة وزارة الثقافة في ظل قيادتها الفتية الواعية بجهد فاعل في أداء الدور الريادي المطلوب باعتبارها الجهة المعنية بالشؤون الثقافية في «اليمن السعيد» لابد أن نشير إلى ضرورة اهتمام الحكومة وحرصها الأكيد؛ بل التزامها بتوفير الإمكانيات المطلوبة ضمن المخصصات المالية للوزارة ، على أن تحدّد وفق خطط وبرامج وتصورات واضحة للمشروعات والأنشطة الثقافية والفنية. والحقيقة هي أن هناك أموراً بالغة الأهمية يجب أن نذكّر بها المسؤولين عن الشؤون الثقافية، ويمكن تلخيصها دون ترتيب بدءاً بالاهتمام بجمع التراث الغنائي الشعبي وتدوينه وتوثيقه بأحدث الأساليب العلمية، والبحث عن المخطوطات والمؤلّفات الثقافية اليمنية المنتشرة سواء في داخل اليمن أم في بعض البلدان العربية أو الأجنبية، والعمل بجدية على جمعها ثم طبعها ونشرها لتستفيد منها الأجيال في معرفة ثقافة هذا البلد وعراقته التاريخية. وبناءً على أن نظرية الثقافة قد قامت على القراءة والتأمل والكشف والبحث والعلم فإننا ننتظر مبادرة الوزارة بتبنّي مشروع القراءة للجميع الذي نناشدها بتبنيه منذ عام 2004م عندما كانت خلاله صنعاء عاصمة للثقافة العربية بهدف إحياء وتنشيط عادة القراءة بين مختلف الأعمار ذكوراً وإناثاً من الشباب والأطفال والكبار؛ بحيث يتم تيسير الحصول على الكتاب ليكون في متناول الجميع بأنسب الأسعار. ويمكن أن تتعاون في تبنّي هذا المشروع الحضاري العظيم إلى جانب وزارة الثقافة جهات أخرى كوزارة الشباب ووزارة الإعلام ووزارة التربية والتعليم؛ لأن هذه المهمة مسؤولية وطنية، وضمن هذا السياق هناك مطبوعتان قيمتان لوزارة الثقافة هما «مجلة الإكليل ومجلة الثقافة» تمثّلان نافذة ومنبراً بارزاً لجوانب مهمة في الثقافة اليمنية، ولشديد الأسف أنه لم ينتظم إصدارهما، وربما تكون المشكلة كما يُثار وكالعادة المزمنة هي مشكلة مالية أو إدارية. أما في الجوانب الفنية فلانزال نتمسّك بالأمل في أن تبادر وزارة الثقافة بوضع الخطط والبرامج اللازمة لتنشيط الحركة الفنية الموسيقية والمسرحية على مدار العام، بحيث لا تقتصر تلك الأنشطة الفنية على المناسبات الوطنية السنوية، ويمكن أن تتضمّن تلك البرامج المهرجانات الموسيقية والغنائية، والمهرجانات المسرحية، وإقامة عروض شهرية أو دورية موسيقية أو مسرحية إلى جانب الفعاليات المناسبية، إضافة إلى إقامة الندوات والأمسيات الثقافية ومعارض الكتاب ومعارض الفنون التشكيلية. واستكمالاً للجهود السابقة في شأن تأهيل الكوادر الفنية؛ فالضرورة تحتم تقديم المزيد من الاهتمام بدعم معهد الفنون الجميلة في عدن باعتباره أحد المنابر العلمية المتميزة لتأهيل الموهوبين في مختلف المجالات الفنية. وعلى نفس نهج التأهيل والتدريب ننتظر وكلنا أمل الدعم الفاعل لوزارة الثقافة للمساعي الحثيثة لتأسيس كلية للفنون والتراث الشعبي في الجامعة الأم جامعة صنعاء التي تقع في قلب مدينة الفن والجمال صنعاءالمدينة التاريخية، خاصة وقد بارك هذا المشروع عند طرحه للاستفتاء كافة المبدعين وأعلام الثقافة والعلم والفكر والأدب في يمن الإبداع والحضارة العريقة. يُضاف إلى ذلك ضرورة الاستفادة من المنح الدراسية عبر الاتفاقيات الثقافية بين اليمن وبعض البلدان الشقيقة أو الصديقة؛ وذلك بإيفاد الشباب الموهوبين لدراسة التخصّصات الفنية بالخارج في المرحلة الجامعية والدراسات العليا لتوفير الكوادر الفنية المؤهلة في هذا المجال المعرفي. ويتبقى أن نؤكد ضرورة تفعيل نشاط مؤسسة السينما والمسرح، وتفعيل قرار إنشاء المعهد العالي للفنون المسرحية، فتلك من أهم المكتسبات للمجال الثقافي واستكمال البنية الأساسية للمنشآت الثقافية كالمسارح وصالات العروض الموسيقية والمسرحية والتشكيلية في مختلف المحافظات، واثقين أن المعنيين الأكارم يؤمنون بأهمية تحقيق تلك المطالب المنطقية والأمنيات. . ولكي يستمر عطاء الفنانين والمبدعين بلا حدود لابد أن تضمن لهم الدولة المستوى المعقول من المعيشة ليعيشوا حياة كريمة، والمدخل لتحقيق ذلك هو إحياء الكادر الخاص بمرتبات الفنانين بحيث تتوازن المرتبات مع الأعباء المرتفعة للسكن والمعيشة، وتلك أبسط الحقوق للفنان بل من أيسر الحوافز المهمة. . والحافز الآخر لتواصل عطاء المبدعين هو إلغاء أمر إحالتهم إلى التقاعد وعدم التعامل معهم كموظفين إداريين، فالإبداع ليس وظيفة مكتبية، ومستوى عطاء الفنان لا يقاس ولا ينقطع ببلوغه أحد الأجلين؛ وذلك معروف في شتى بلدان العالم إلا إذا كان لأصحابنا المعنيين بالأمر رأي أو رؤية أخرى تحدّد تاريخاً لانتهاء أو توقف عطاء المبدعين..!!. وفي هذه الحالة سنحقّق سبقاً دولياً في تحديد نهاية لصلاحية الفنانين، لكن هذا السبق للأسف لن يعمم ولن يستفاد منه في إحالة فناني ومبدعي العالم إلى التقاعد والتوقف عن العطاء؛ فالأمر مستحيل، وأمام ذلك نأمل أن تبادر الدولة بإعادة النظر في شأن مستقبل ومصير الفنانين والمبدعين وضمان تأمين حياتهم وحياة أسرهم في بلد الحضارة والفن الأصيل. وحفظ الله الوطن وأبناءه المخلصين من رموز الإبداع والوطنية، وتلك هي القضية. [email protected]