الضرورات تقول إنه ، ولِإحْداث تحوّلات هيكلية إيجابية في بنية المجتمعات وهياكل الدول والأنظمة يجب أن تكون مدروسةً ومتوافقاً عليها من غالبية الناس. والضرورات تقول: إنه، ولِإنجاح أي برامجٍ ومشاريعٍ وطنية لابدّ من شقّ مجرى واسع لتدفّقات النقاشات والحوارات الوطنية، وفي المقابل التقنين من تدفّقات الشعارات والخطابات المستهلكة و«الفقّاعية»، مع عدم اللجوء إلى الأشياء التي لا جدوى منها. لوسمحتم، وبعيداً عن رفع وتوجيه سهام الإعتراضات الجاهزة، وغرز الصّدور بالخصومات والعداوات، ممكن نستوعب جميعنا الحقيقة التي تؤكد إن شعوب العالم، وخاصة المعاصر، لا يهمّها الخطابات والشعارات، ولا يهمّها - أيضاً - من يحكم وما لونه وشكله وشجرته العائلية، أو نسبه وقبيلته ومنطقته وفصيلة دمّه وعِرقه، واسم حزبه، بقدرما يهمّها مستوى ما تتمتّع به في جوانب العدالة الاجتماعية والمساواة وسلطة القانون، والتداول السلمي للسلطة، فهذه الأشياء هي التي تهمّها وتحرّكها ، كما يهمّها ويحركها، أيضاً، فشل ونجاح (التعليم - الخدمات الصحية - المياه - القضاء - مشاريع الإسكان - الأمن - دخل الفرد - توفُّر فرص العمل - الأمن الغذائي - الخدمات العامّة والأساسية ) وغيرها . إن جوهر ما أريد قوله والتأكيد عليه هنا هو ضرورة طي صفحة الماضي ومعها الصراعات الحالية وعدم التفكير ب منطق «التائه» ، «الاستحواذ» ، «الغلبة»، “ «الانعزال» ، فالرفاهية والسعادة والمجد والاستقرار لا يتأتّى إلا عن طريق التكامل والشراكة ومغادرة الخنادق والعصبية والمناطقية والثأرات. وليس ذلك فحسب، بل إن مهمّة بناء المجتمع الموحّد، المتنور، القادر على الدفاع عن نفسه من الأمراض والمجاعات والصراعات وتحقيق الحدّ الأدنى من الإكتفاء الذاتي، والتعبير عن نفسه ومكنوناته، مرتبط بدرجة وعي أبنائه ومدى استعدادهم لذلك وجدّيتهم ونوعية أدواتهم في إقامة الدولة المدنية العصرية، التي تفرض وجودها وإرادتها واحترامها وترفع رايتها بين الأمم، الدولة المؤسَّسة على قيم الشراكة والمساواة، الرافضة للإقصاء والتفرقة والانسحاب نحو الماضي التقليدي والشمولي. لقد «هَرِم» الناس بالفعل، من هذه المارثونات وصاروا يستغيثون بالعقلاء، والصادقين وكل الفاعلين في هذه البلاد، لإنقاذهم من مشاريع التّمزيق والمناطقية والبؤس والضلال ومختطفيّ الأحلام وقيم الإسلام، الذين يعتبرون الديمقراطية بدعةً، والحضارة كفراً، والعصرنة إلحاداً، ليبرّروا بها اغتيال كرامة الإنسان ويستبيحون دمه المعصوم. رغم تأخّرنا طِيلة العقود الماضية عن الآخرين في جميع المجالات تقريباً، ورغم الفساد الذي جثم على صدورنا سنين عددا، إلا أن التجريف الذي تتعرّض له بلادنا اليوم يبدو غير مسبوق، وتكمن خطورته في إنّه يستهدف بجلاء وتحدٍّ سافرٍ وحدتنا ونسيجنا الاجتماعي وأمننا وحياتنا وقيمنا وثوابتنا وثقافتنا ،ودولتنا، وكذلك عقيدتنا وفكرنا وتعايشنا. الأمر الذي يحتّم علينا مواجهته، دون قيد أو شرط من أحد ، بالمصالحة الوطنية الشاملة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني واتفاقية السلم والشراكة واتفاقية الصُّلح التي تمّت مؤخراً بين «التجمّع اليمني للإصلاح»،و«أنصار الله»، وتوسيعها لتشمل جميع المكونات والقوى السياسية الفاعلة دون استثناء، لنعلن فتحاً جديداً ونهجاً جديداً يُسهم في حلّ مشاكلنا المتراكمة والحالية والمستقبيلة وليس مفاقمتها. عبارة أخيرة: «الدولة والفوضى خطّان لا يلتقيان أبداً، والتمزُّق والقوة خطّان لا يلتقيان أبداً، والطائفية والتعاييش خطّان لا يلتقيان أبداً، والصراع والاستقرار خطّان لا يلتقيان أبداً، والاتفاقات وانعدام الثقة خطّان لا يلتقيان أبداً، والخيانة والوطنية خطّان لا يلتقيان أبداً». [email protected]