واقعة أحزنتني وأحزنت الكثيرين ممن كانوا بجواري في أحد مساجد تعز؛ وخلاصتها: ما إن انتهينا من الصلاة إذا برجل يتخطى الصفوف ويقف في منتصف الصف الأول ويبكي حسرة وألماً ثم يقول إنه جائع وفقير ويسرد كثيراً من المنغصات التي تقف حجرة عثرة أمامه في بضع دقائق وفي آخرها يطلب المساعدة، فلما أكمل حديثه إذا بشاب يخرج أوراقاً ومعاملات وفحوصات وتقارير وأدوية ويقول بأن كل ذلك لأخيه المريض الذي أوقفه بجانبه وهو يصيح ويتألم ويمسك ببطنه ويظهر عليه ورم ولا يستطيع الوقوف إلا بمساعدة، ومن ضمن كلام أخيه أنه قال: أخي بحاجة إلى عملية جراحية تكلف كذا وكذا من المال ويشير إلى مبلغ هائل ولا يستطيع هو وأسرته تحمله وقد طرق كل الأبواب ولم يجد المساعدة الكافية، فلما أكمل حديثه إذا برجل في منتصف الصفوف يعلي من صوته ويسأل الناس ويقول إنه لا يجد ما يسد رمق أبنائه بسبب الجوع ولا يجد المال الكافي لسداد الإيجار ويخاف أن يخرجه مالك المنزل من بيته هو وأولاده وأنه لا يستطيع العمل، وبعدها التفتُّ وآخرون لنسمع أصواتاً أخرى لرجال ونساء تأتي من مؤخرة المسجد وتستجدي المصلين وتستعطفهم وتدعوا لهم بأن يساعدوهم، الأمر الذي جعل إمام المسجد يمسك بالميكرفون ويقول: “يتضاربوا على المناصب والكراسي والشعب يموت جوعاً وفقراً ومرضاً”؛ وبالتأكيد يعبر بذلك عن واقع الحال الذي وصلت إليه اليمن واليمنيون، والحليم تكفيه الإشارة. تلك واقعة من واقعات عدة وحادثة من حوادث عدة تحدث في يمننا الميمون بغض النظر عن توافر فضيلة صدق أصحابها أو عدمها، ويكفي أنني سمعتها، ويراها ويسمع بها كل يمني سواء أكانت في المساجد أم في غيرها، الأمر الذي دفعني إلى الإشارة إليها في هذا المقال لأقول: إن اليمن على حافة الهاوية إذا لم يكن أبناؤها وطنيين، وإن اليمن على شفا جرف هار إذا غابت فضيلة الأخوة بين الناس وإذا لم يتصدقوا على المعسرين، وإن اليمن ستنتكب - لاسمح الله - إذا غاب الإحساس بالوطن وغلبت الطائفية والمذهبية والقبلية والحزبية على أبنائها، وإن اليمنيين سيجوعون وسيفقرون وسيمرضون إذا تم نهب ثروات يمنهم وتم تفجيرها وتم التآمر عليها وتم إيقاف حركة تنميتها ونهضتها وإعمارها ناهيك عن غلاء الأسعار وخوف اليمنيين عامة مما ستؤول إليه الأمور وخوف موظفي الدولة خاصة من انقطاع رواتبهم الذين يعتبرونها المصدر الرئيسي لعيشهم وأسرهم بعد أن تم تدمير البنية التحتية وتكالب عليهم الصديق قبل العدو وتخلى عنهم القريب قبل البعيد. إن اليمن تمر بمنعطف خطير إذا لم يتم وضع حواجز قوية مليئة بالمسؤولية الوطنية والإحساس بالشعب، ومعرفة أنه شعب يخاف أن يعود إلى العهود البائدة المتسمة بثالوث الفقر والجوع والمرض، إنه شعب يريد القضاء على الجوع والفقر والمرض، وليس له معين في ذلك إلا الله تعالى ثم الحكماء الأرق قلوباً والألين أفئدة، وإلا ما فائدة التغيير والأمور تزداد سوءاً والقضايا تزداد تعقيداً والآمال تصبح ضياءً ونوراً وتمسي ظلاماً وسواداً؟. إن الشعب يحلم ويتمنى ويرجو ويأمل لكنه يخاف أن يتبخر كل ذلك كالسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً؛ لأن بوادر الأحلام والأمنيات والآمال أصبحت محبوسة وتحتاج إلى من يفك قيدها ويطلقها في الواقع كحقيقة صادقة. ولا نملك في ذلك إلا التنبيه بأن الجوع قاتل والفقر والمرض أفظع وأنكى وأشد إذا لم نعد إلى وعينا ونتكاتف فيما بيننا ونعيد لليمن حياتها بعد أن كانت أشبه بالموات أو الأرض القاحلة؛ وذلك بالمبادرة في التصالح فيما بيننا ونجعل سقفنا عالياً وهو اليمن المزدهر، ولا مانع من أن نختلف فيما بيننا في قضايا ثانوية لكن أن نختلف على الوطن ونسعى إلى خرابه بأيدينا فهذا لا يرضى به الإسلام الذي نعتز به، ولا يرضاه المؤمنون الحقيقيون أصحاب النبع الصافي المتآخون فيما بينهم الذين جعلوا القرآن الكريم طريقهم للنجاة عندما قال سبحانه وتعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، وجعلوا المصطفى صلى الله عليه وسلم قدوتهم عندما قال:( المؤمن للمؤمن كالبنان أو كالبنيان يشد بعضه بعضاً)، ونسأل الله تعالى أن يعود جميع اليمنيين إلى رشدهم وإلى طريق الصواب. [email protected]