سأبدأ من اليمن التي اجتاحتها الرياح السموم قبل العاصفة الهوجاء التي توهت الجميع خاصة الحكام ورؤساء الأحزاب ودخل في المعمعة الشباب بحسن نية في من شجعوا على النفخ ثم الصهر حتى ذابت الثقة وبسط التوجس نفسه ليقود أصحاب القوة والمال إلى المواجهة الواسعة التي قدر الخبراء العسكريون والسياسيون أنها ستكون أوسع مما شهدته لبنان مثلاً في السبعينيات والثمانينات إلى أن حسم مؤتمر الطائف السعودية المسألة العسكرية بالاتفاق على وقف إطلاق النار وتوزيع المناصب وتقسيم المناطق المسلمة بطوائفها الشيعية والسنية وتفرعاتها والمسيحية وتشعباتها إلى أن ظهرت الخلافات السياسية حول سيطرة حزب الله على الجنوب والضاحية الشرقية لبيروت والمسيحيين على الجزء الشرقي من العاصمة وبقاء أو عدم شرعية بقاء القوات السورية التي كانت قد أقرتها الجامعة العربية للفصل بين المتحاربين ثم ما لبثت أن تحولت إلى قوة احتلال من وجهة نظر القادة المسيحيين العسكريين والمدنيين وطالبوا بخروجها وخرجت بعد أكثر من عشرين عاماً لتترك فراغاً حاول كل طرف أملاؤه وبحسب مصلحته ورؤيته.. وكان من أكثر الحوادث دراميكياً قتل رئيس الوزراء الحريري عام 2005م وقبل ذلك انسحاب إسرائيل من جنوبلبنان تحت ضربات المقاومة الناجحة وانسحاب إسرائيل من الشريط الحدودي ومعها جيش لبنان الجنوني بقيادة سعد حداد والذي لم تعيره إسرائيل أي اهتمام بعد استنفاده في دعم جيشها لسنوات طويلة ضد بلاده وأنتهى كجماعة منبوذة ليس لها إلا طلب العفو من اللبنانيين جميعاً. وفي اليمن كان الكل يجمعون على أن ما حدث في لبنان لن يحدث في اليمن استناداً إلى الحكمة والإيمان واللين الراسخ في القلوب وما حدث ولا يزال في العراق وسوريا وليبيا إلا أن الأحداث التي وقعت منذ العام 2011م غيرت النظريات العفوية حين قصفت المدافع الثقيلة والصواريخ الوزارات والمنشآت الحيوية واحتلت ونهبت بصورة متبادلة لم تقف عند حد أو تجعل دور العبادة والمدارس والمشافي في منأى عن الصراع لأنها ممتلكات عامة وهامة إذا ذهبت ذهبت الأخلاق والقيم الدينية أولاً باعتبارها المرجع الذي عادة ما يلجأ إليه المتخاصمون مباشرة أو على أيدي المصلحين الذين فرقتهم الانتماءات الحزبية والقبلية والعسكرية لدرجة أن البعض منهم كانوا يصدرون الفتاوى التي تعجب طرفاً ضد طرف ويسحب الشباب وأولياء أمورهم وبحسب انتماءاتهم السياسية بدون وعي بحيث يرجحون كف هذا على ذاك من المتحاربين الشرسين المليئة قلوبهم بالحقد الدفين. فما تمر به اليمن الآن يخشى أن لا تلوح معه في الأمل فرصة أو يظهر وميض ضوء في النفق المظلم والطويل ما دام أصحاب المصالح الضيقة يتمترسون بأسلحتهم وفي وضع أشبه بالمناطق المتخمة والمكتظة بالمقاتلين بالدفع المسبق في ظل البطالة وضيق ذات اليد والغزو الفكري المتطرف بألوانه المقززة ذات المنشأ الذي ينتج فقط ثقافة النهب والفيد والبسط والسيطرة على الأموال العامة والخاصة كما حدث بصنعاء عام 48.