حين يتأمل المرء منا حال الصغار في هذا الوطن يكتشف حجم الخلل والقصور الذي تعانيه هذه الشريحة منذ نعومة أظفارها وحتى تصبح تلك الأظفار مخالب حادة تقطع وتمزق وتفتك دون وعي. بكت إحدى الفتيات المهمشات ذات يوم بكاءً حاداً وهي تتحدث عن رغبتها في الالتحاق بالمدرسة وكيف شعرت أنها تكاد تفارق الحياة كمداً وهي تتلقى من والدها خبر البقاء في المنزل والتوقف عن الدراسة بعد أن كانت قد وصلت إلى الصف الثالث الأساسي بتفوق كبير قالت والحسرة تقطع أنفاسها (العلم ينور طريق الإنسان، يعلمه النظافة، الصلاة، ويعلمه الصح من الخطأ..) فتاة الثالثة عشرة هذه جعلتني أتساءل بلا توقف عن ثروات نسمع عنها ولا نرى أثراً لها في أبسط حقوق الإنسان اليمني كالتعليم والصحة على سبيل المثال، فالتعليم تأخر في الوصول إلى مناطق كثيرة يحتاج سكانها إليه على وجه الأهمية نتيجة لثقافة الجهل الشائع وانتشار أمراض فكرية عديدة على إثر ذلك. تلك الفتاة مثلاً، أوضحت أن والدها حرمها من إكمال تعليمها بحجة أن المرأة المتعلمة(فاجرة) على حد تعبيرها، حيث تقول: (أبي قال: البنت لما تتعلم بالمدرسة تصاحب عيالا وتكتب لهم رسائل و..) وهذه واحدة من آفات الثقافة المحلية الشائعة حول التعليم. وفي حلم آخر من أحلام الطفولة تقول إحدى الفتيات المهمشات: ( أحلم يكون معي فراش نظيف ولحاف ودولاب أخبىء فيه أشيائي، وأحلم إن أمي تبطل الحنق إلى بيت أهلها وتخليني وحدي بين أبي وأخواني العيال..) هي حقوق لم يعد الحديث عنها قائماً في وقت أصبح فيه للفتاة حق الرفاه الاجتماعي كحق مستقطع من جسد الحق الإنساني في لفتة فريدة من نوعها بعد ظهور إتفاقية حقوق الطفل وتحويلها إلى أنشطة توعوية ومواد إعلامية فاعلة تطالب بمواءمة الحقوق والقوانين المحلية لمادتها القانونية وتحاول إيجاد فرص حكومية ومجتمعية راقية للمطالبة بحقوق الطفل فتى كان أو فتاة. للفتيات في اليمن أحلام صغيرة جداً لا تتجاوز حجم قلوبهن الوردية ولهذا أيضاً أحلام بحجم هذا الوطن الكبير الذي عجز عن احتضان هؤلاء الفتيات وإعمال دورهم المستقبلي في إحداث التغيير المنشود. هؤلاء الفتيات المهمشات وغيرهن فتيات كثيرات من بنات القبائل يتحدثن عن عالم بريء جداً لا يدرك وجوده إلا تلك الفطرة الطاهرة في نفوسهن، إنهن نقيات مثل حبات البرد الواثبة بين يدي المطر. ولعلي قد جلست في اليمن مراراً وتعرفت على حجم المعاناة التي تزفرها صدورهن في سجن التهميش المتعمد لأصحاب القرار فمقابل كل عملية نصب وتزوير واختلاس يتفنن بها هؤلاء القادة تموت آلاف الأحلام وتنصهر ملايين الابتسامات وتذوب آلاف الشموع المضيئة في ليل الفقر والجهل الحالك، ومقابل كل رحلة استجمام وبذخ ورفاهية يعيشها الكبار تذهب أرواح المئات من أطفال اليمن أدراج الموت والفناء أو التشرد والضياع، وفي الوقت الذي تكتظ فيه الأرصفة بالأطفال من الفتيان والفتيات الباحثين عن لقمة سائغة تتراكم أمام أبواب هؤلاء النخبة أكوام المظالم مثل نفايات نتنة تزورها أسراب الذباب كما تزور أطفالنا زخات البارود من فوقهم ومن تحت أرجلهم.. هكذا تتوه أحلام هؤلاء الصغار والصغيرات في دروب ضيقة لا تتسع إلا لخطواتٍ من السراب.