هذا الجيل لا يُشبه إلا نفسه, فهو كثير الاعجاب بمنجزاته مهما كان حجمها أو محتواها, وهو شديد التعصّب لفكرته مهما كانت نتائجها, يشبه تماماً تلك الإسفنجة التى تمتص كل ماحولها لكنها تبقى بحاجة ماسّة لمن يُفرغ محتواها لتستطيع امتصاص المزيد. جيل ربما استطاع التفريق بين الحلم والحقيقة لكنة يعجز عن التفريق بين ما يمكن وما لا يمكن، وهذه هي المشكلة، فالواقع ينضح بالممكن الذي يتجاوز حدود الحلم وغير الممكن الذي تشبه ملامحه ملامح الحقيقة. إن ذلك الصراع الذي تعيشه طبقات المجتمع بمضامينه الفكرية المتفاوتة يكاد يصنع ذاكرة شبابية مستقلة لاتصل إلى العتاقة أو الحداثة، وإنما تستطيع مزج مزاياها المختلفة مع خبرات اجتماعية متراكمة لتصنع بهذا فكرها المستقلة وقناعاته الراسخة. هذا المزج الذي يحدث بين ماضٍ قريب ومستقبل غير بعيد يمكنه أيضاً نقل حضارة فكرية مختلفة عن سابقاتها عبر موجة تغيير ثابتة تنطلق من مركزية انتمائية إلى محيط قطري واسع النطاق ليس له أضرار جانبية اللهم إلا فيما يتعلّق بنظرة العالم الآخر لثقافة عربية محلية لا تفلح في تجاوز غير المعقول لتصل إلى عقول الناس على أساس أن لكل فكرة أسطورية خارقة خلفية اجتماعية راسخة. إنه بتلك التجاوزت المبنية على إزالة القشور وتعرية اللب يرى ذاته التي عانت الكبت طويلاً في صندوق عادات وتقاليد مغلق بالدم الأحمر، ومع هذا فهو لايزال يبحث عن الجدوى من تغليف الموروث الثقافي والاجتماعي برؤى شبابية متناقضة رغم إدراكه بفشلها اليوم أوغداً. هذا الجيل يحاول امتصاص حضارته الأصيلة ويلقيها في بوتقة واقعه المشحون بالمتغيرات, وهذا يعني ظهور ثقافة بمذاق ونكهة مختلفتين عنها في الماضي القريب قبل أن يكون للتغيير معنى مستقل عن القيم الإنسانية. نحن اليوم أمام طوفان بشري يحمل خلفية غثة عن مبادئ انسانية متحولة، ولكنه يتخلف عن اللحاق بطموحاته الضخمة لعجزه عن حمل أدواته الملائمة. وإذا تُرك الأمر على ما هو عليه سيكون من المحتمل أن ينشأ من بين أفراده من يرفض التمسك بذلك الخيط الرفيع الذي يتدلّى من سقف الأيديولوجية ليقع في حفرتها الزائفة المصنوعة بإشراف غربي مقيت, كما سيكون من بينهم أيضاً من يرفض التفاوض أو التسليم لأنه يخاف الوقوع في تلك الحفرة ذاتها، وبالرغم من تلك المحطات المضيئة في رحلة حياة هذا الجيل على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي، إلا أن الاعتماد على صورة القرار الفردي فيها تجعل تاريخها موسوماً بالفوضى والتجاوز، ولهذا تموت مشاريعهم الفكرية في رحم العجلة بينما تغادر مشاريع أعدائنا أرحام التخطيط والإدارة مكتملة النمو وفي حاله صحية عالية. لدينا جيل مختلف تماماً عن الجيل الذي سبقه في نقاط كثيرة, لكن أهمها محاولتهُ احتساء التاريخ المعاصر في فنجان قهوة, وتغاضيه عن حاضره القريب أو البعيد على بساط من الدخان الذي يُغادر دخينته إلى غير رجعة.. يؤمن بقدراته ولا يقرأ معطيات واقعه, أو يقرأ واقعه ويعجز عن فهم دوره في إصلاح ما يمكن إصلاحه, إنه الجيل الذي أفرزته سياسات الحكّام عندما, تلك السياسات التي تجوّع شعوبها لتتبعها.