الليغا ... برشلونة يقترب من حسم الوصافة    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    "هل تصبح مصر وجهة صعبة المنال لليمنيين؟ ارتفاع أسعار موافقات الدخول"    "عبدالملك الحوثي هبة آلهية لليمن"..."الحوثيون يثيرون غضب الطلاب في جامعة إب"    شاهد.. أول ظهور للفنان الكويتي عبد الله الرويشد في ألمانيا بعد تماثله للشفاء    خلية حوثية إرهابية في قفص الاتهام في عدن.    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    علي ناصر محمد يفجر مفاجأة مدوية: الحوثيون وافقوا على تسليم السلاح وقطع علاقتهم بإيران وحماية حدود السعودية! (فيديو)    شاهد الصور الأولية من الانفجارات التي هزت مارب.. هجوم بصواريخ باليستية وطيران مسير    مبابي عرض تمثاله الشمعي في باريس    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    عودة الثنائي الذهبي: كانتي ومبابي يقودان فرنسا لحصد لقب يورو 2024    لا صافرة بعد الأذان: أوامر ملكية سعودية تُنظم مباريات كرة القدم وفقاً لأوقات الصلاة    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    اللجنة العليا للاختبارات بوزارة التربية تناقش إجراءات الاعداد والتهيئة لاختبارات شهادة الثانوية العامة    لحج.. محكمة الحوطة الابتدائية تبدأ جلسات محاكمة المتهمين بقتل الشيخ محسن الرشيدي ورفاقه    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    انكماش اقتصاد اليابان في الربع الأول من العام الجاري 2024    تحذيرات أُممية من مخاطر الأعاصير في خليج عدن والبحر العربي خلال الأيام القادمة مميز    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    رئيس مجلس القيادة يدعو القادة العرب الى التصدي لمشروع استهداف الدولة الوطنية    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    تغاريد حرة.. عن الانتظار الذي يستنزف الروح    انطلاق أسبوع النزال لبطولة "أبوظبي إكستريم" (ADXC 4) في باريس    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    ترحيل أكثر من 16 ألف مغترب يمني من السعودية    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    انهيار جنوني .. لريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى منذ سنوات وقفزة خيالية للدولار والريال السعودي    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قيم الوحدة والرهان الثقافي
نشر في الوطن يوم 01 - 07 - 2008


بيان عن حال جيل الوحدة الوطنية
يعيش الوطن أجواء الذكرى الثامنة عشر لاستعادة وحدته وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م ، وهو عمر تولد عنه جيل من الشباب عرف الوحدة واقعا ونمط حياة حاضرة تتجاذبها كثير من المعوقات والتحديات التي لا تكفي لاحتضان كل أحلام وطموحات هذا الجيل الذي قد لا يكون ملما بكل التحديات والصعوبات التي واجهها الوطن اليمني في مرحلة التشطير وبحجم التمزق الذي عاشه أبناء الوطن ، كما أن بعض الشباب لا يتمثلون حجم التضحيات والنضال الذي بذل في سبيل قيام الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 لأجل الانعتاق من استبداد الحكم الإمامي ومن ربقة الاحتلال الاستعماري لعدن وجنوب اليمن ،
الأمر الذي يشكل فجوة كبيرة بين تركة الماضي وأحلام وطموحات الحاضر التي لا يستوعب الشباب كل حمولاتها وأبعادها ، كونهم ينظرون إلى العصر من حولهم خارج سياق التاريخ الوطني المحلي الذي ينوء الحاضر بحمله.
فضلا عن أن جيل الوحدة لم يعش التحولات الوطنية الصعبة باستثناء ما واجهته الوحدة بعد قيام دولتها من مشروعات النكوص والتراجع الذي ترتب عليها قيام حرب صيف 1994 وما نتج عنها من تضحيات وطنية وخسائر بشرية ومادية أفضت إلى تدهور في الاقتصاد الوطني وإنهاك المؤسسات وانحطاط قيمة العملة الوطنية وتدني مستوى دخل الفرد وتدني مستوى المعيشة واتساع رقعة الفقر وتدني فرص العمل ، الأمر الذي جعل الحفاظ على كينونة الوحدة المادية مقدما على وحدة الوجدان الوطني مع بروز وتضخم الحساسيات المناطقية والفئوية والجهوية التي يمكن أن تفضي بدورها إلى المشروع النقيض.
كل ذلك وضع جيل الوحدة أمام واقع تتناقض ملامحه مع ما ينتظرون من رفاه وتحسن واستقرار معيشي وبالذات على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
ذلك أن انتقال اليمن من نظام رعاية الدولة إلى منظومة السوق قد شكل بدوره تخل مفاجئ عن دور الدولة في الرعاية المباشرة للمواطنين وأحدث خللا انتقاليا ساهمت فيه المؤسسات الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما ،ما ترك أثره السلبي على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالذات على شريحة الشباب التي نحن بصدد الحديث عنها فضلا عن بطء نمو مؤسسات الدولة الحديثة التي تطلعت إليها دولة الوحدة ، وعجز الجهاز الإداري عن تلبية الحاجات اليومية لشعب اتسع أرضا وإنسانا.
ومما زاد الطين بلة تفشي مظاهر الفساد الإداري والمالي الذي جعل الشباب يرفع من سقف أحلامه غير المشروعة بسبب معايشتهم لغياب المعايير الإدارية وأولويات التمثيل المناطقي والفئوي والأسري والوجاهة الاجتماعية وتدني اعتبار المؤهلات والدرجات العلمية في السلم الإداري .
إلا أن الوضع الثقافي والاجتماعي ليس بأقل خطورة وخلل من الوضع الإداري والاقتصادي ذلك أن الانفتاح الذي أحدثته الوحدة على الأيديولوجيات والقيم الثقافية والاجتماعية أحدث بدوره إرباكا وخللا في الهوية والقيم الوطنية فالانفتاح على تراكمات الماضي السياسي والثقافي أفرز إحياء لنزعات ونعرات وصراعات كان القمع السياسي في عهد التشطير قد أجلها إلى حين ، فضلا عن صراعات وتعبئة أطراف بناء الوحدة ذاتها ، مما خلط مفاهيم الشباب حول الحريات وحدود الاختلاف والتنوع وجعلهم عرضة للتجاذب الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي والمذهبي والمناطقي والفئوي والقبلي بعيدا عن إفرازات المجتمع الحديث الذي يفترض أن تأخذ أشكالا مدنية ومهنية ومنهجية وعلمية ونقابية وتنظيمية .
وحين وظف السياسيون التعبئة الأيديولوجية والدينية والمذهبية لم يكن الشباب (جيل الوحدة) إلا المستهدف الأول والمتأثر الأول والوقود لتلك التعبئة والتعبئة المضادة التي تقف وراءها مصالح سياسية بحتة ، الأمر الذي زج بالجيل في معركة لا تتصل بحاجاته هو ولا بمصالحه وشكل ذلك فجوة وشرخا بين الواقع والمثال.
وأصبح الجيل أمام تمزق فكري وأيديولوجي وسياسي وثقافي فيه ارتباك وضياع للهوية لم تكن أسبابه داخلية فقط بل ترافقت مع أسباب خارجية عدة منها: تحولات العولمة بما حملته من تقويض للقيم المحلية وللثقافات والمعتقدات والأيديولوجيات، وتشكل قيم السوق التسليعية التي ترتكز على القيم المادية البحتة وتهمش القيم الروحية ، مقابل مقاومة ثقافية ودينية وروحية هشة ومأزومة اتجهت إلى الإنكفاء على الذات الممزقة والذات التاريخية وحلقت بعيدا عن الواقع والعصر مما أذكى صراع الحضارات والثقافات أكثر مما حافظ على الهوية أو حد من أثر العولمة.
وفي قلب كل ذلك انفتاح العصر على الفضاء الإعلامي والإلكتروني الذي لم يعد فيه فاصل بين ما هو عالمي وما هو وطني محلي ،ما جعل الشباب يحاكون أحلام أقرانهم في بلدان الرفاه والتقدم متخطين شروط الواقع الوطني الذاتية والموضوعية.
ومما يؤسف له أن هناك تدنيا في تصورات بعض الشباب عن الهجمة الإمبريالية الاستعمارية الجديدة على الأمة العربية والإسلامية ،يشي بضعف تمثلهم لاستراتيجية وأهمية نضالات حقبة ثورات التحرر الوطني ومنها الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر المجيدة ، وضعف استيعابهم لخطورة المؤامرة الاستعمارية والنماذج الثقافية والقيمية التي تحملها، مبهورين بقشرة التقدم الذي لا تريد المجموعة الاستعمارية لبقية الشعوب أن تعيش جوهره والأخذ بأسبابه ، وهو ما خلق قيمتين نقيضتين لدى الشباب العربي ومنه اليمني هما:
قيمة التسليم والاستسلام للواقع القاهر لأحلام الأمة ، وقيمة المقاومة غير الرشيدة (المتطرفة) التي تتبنى مقاومة انتحارية لا تتفهم السياقات الراهنة ولا تأخذ في الاعتبار إمكانات وشروط المقاومة وأدواتها المتاحة ولا تقرأ الظروف المحيطة.
والجيل الذي نتحدث عنه سواء أكان جيل الوحدة اليمنية أم جيل الأمة العربية في عقديها الأخيرين ما هو إلا ضحية الظروف التي ذكرنا وضحية ظروف أخرى تتحمل مسؤوليتها الأنظمة القائمة ومؤسساتها الهشة ، ومن ذلك فشل المؤسسات التربوية في إعداد جيل متوازن يتعاطى مع عصره باقتدار وكفاءة وثقة، الأمر الذي يعيدنا إلى مسألة النظام التربوي بمفرداته منهجا وإدارة.
ولعل التعليم كان هو الحلقة الأضعف في مسيرة الوحدة اليمنية لأنه خضع لمؤثرات وتجاذبات أيديولوجية وسياسية أكثر من غيره وهو المجال الذي ينعكس مباشرة على قيم الشباب وتكويناتهم النفسية والعلمية والروحية والثقافية.
حيث كانت المؤسسة التعليمية والتربوية هي المؤسسة الأكثر تضررا من التجاذب السياسي والأيديولوجي حيث تأسست على الفجوة التي كانت قائمة بين نظامي التعليم في الشطرين سابقا الذين تنازعتهما تيارات وقيم: التقليد والحداثة والقيم ذات المرجعيات المتناقضة الدينية منها والمدنية.
ولعل ما أفرزته الوحدة من نظام تعليمي توفيقي تلفيقي ،لا يقوم على أسس مرجعية وطنية حقيقية ،جعل المؤسسة التربوية والتعليمية في مهب الريح تتجاذبها الإرادات المعطلة لوظيفتها ، وحتى مرحلة ما بعد حرب صيف 1994 التي أملتها قيم التيار المنتصر للوحدة والمدافع عنها ، ظلت تحمل تناقضا ثنائيا بدلا من التناقض الثلاثي يتمثل في : قيم الوسطية والاعتدال المستندة على التوافق السياسي والاجتماعي الذي تأسست عليه فكرة الميثاق الوطني والمرجعية الاجتماعية للمؤتمر الشعبي العام وقيم الدعوات الإسلامية الراديكالية منها والسلفية التي تتعامل مع الحاضر بعيون وأدوات الماضي في إقصاء للمشروعات التقدمية والحداثوية والحط من شأنها.
فضلا عن غياب المهنية والمنهجية والعلمية في ترتيب أجندة القيم والأهداف التربوية والتعليمية ما جعلها حتى الآن تحت المؤثرات السياسية البحتة التي لا تعبر عن الضمير الجمعي والمرجعيات الفلسفية الوطنية الوحدوية الشاملة.
إنه لحري بنا أمام هذا الواقع أن نتأمل حجم المشكلة التي يعاني منها الشباب والتي تنعكس بصورة غير منصفة على قيم الوحدة وعلى مستوى إيمانهم بوحدة الوطن والحفاظ عليها كمنجز تاريخي مؤسس لأية نهضة منشودة ،حيث يتعامل بعض الشباب مع قضية الوحدة خارج السياق الاجتماعي والثقافي والضرورة التاريخية المؤسسة لأحلامهم وتطلعاتهم.
في وقت عجزت فيه التعبئة الدينية ذات المرجعية السياسية عن تنمية قيم سلوكية عامرة بالفضيلة ، بل تورطت في شحن الشباب بقيم الإقصاء والتمييز والتكفير والتنفير والتفرقة والعنف والنعرات والاختلاف بدلا من الإسهام في صقل شخصية وطنية متزنة لمواطن صالح /سوي قادر على التعاطي مع قيم العصر متسلح بالعلم والمعرفة والكفاءة المهنية والتخصصية قادر على التفكير العلمي المنظم يتمثل قيم العمل والإنتاج والتسامح والإخاء والمواطنة المتساوية محبا للنظام والقانون ، ناهيك عن كون الخطاب الديني السليم معني بتخليص العبادات من الحمولات الإيديولوجية والمذهبية والسياسية لغرض تحقيق القيم السلوكية الإيجابية المذكورة.
وبالرغم من كون حاضرنا اليمني عامرا والحمد لله بالمساجد ودور العبادة وروادها ، إلا أن ذلك لم يخلق عمارا في قيم السلام والتسامح والإخاء وقيم الحياة المدنية والنظام المبني على المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات و، الأمر الذي يدل على انحراف المرجعيات الدينية السياسية عن مقصد الشريعة في بناء السلم والاستقرار الاجتماعي وتحقيق المصحلة العليا للأمة وتكريس قيم الاعتدال والتسامح الفكري والديني وحماية المجتمع من نزعات العنف والشر وانتهاج أساليب التحديث ، ولاسيما مع تكريس الخطاب الديني ذو المرجعيات السياسية والأيديولوجية الوافدة من خارج السياق الاجتماعي والثقافي والتاريخي والتي أفقدت بدورها المجتمع الثقة والمصداقية وارتبطت بأولويات وإرادات ومصالح خارجية ،لتقدم سلوكا منحرفا اتسم بالعمالة والتكالب على المال الخارجي والوطني : العام والخاص وجمع الثروات وتنظيم جماعات العنف والتنظيم السياسي ونهب الحقوق وتجارة الحروب والفتن والعنف وفشلت هذه المرجعبات في تقديم صورة التقوى والبر والفضيلة بالنظر إلى مؤشرات وحجم السلوك غير السوي والانحرافات ذات المنحى الاجتماعي والجرائم والأحداث الجنائية ومنظومة السلوك اليومية داخل المجتمع.
كما أن نزوع بعض فئات الدين السياسي إلى البحث عن سلطة رقابية كهنوتية على المجتمع يزيد من تكريس الأخطاء التي تحدثنا عنها ويرفع هرواة الدين السياسي فوق رأس المجتمع ويعيدنا إلى ما يشبه حقبة محاكم التفتيش المسيحية في القرون الوسطى.
وما محاولة الوصاية الدينية على المجتمع من قبل فئة لا تمثل الطيف الاجتماعي تزكي نفسها وتدعي أنها تتبنى قيم الفضيلة وتحارب المنكرات ماهو إلا هروب من مناقشة مشاكلنا الحقيقية بصورة علمية وموضوعية ومعالجة الاختلالات الرئيسية المتمثلة في الفساد المؤسسي وليس الفردي مثل: تدني جودة التعليم ، وضعف الإدارة ، وتفشي الفساد بكافة صوره وأشكاله بما في ذلك الفساد الديني ، واختلال الاقتصاد ،وتدني الأمن الاجتماعي، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة إلى ما هنالك من مشكلات.
ولا نتصور أن مشاكلنا الدنيوية هذه تحتاج إلى جرعة إضافية من التعبئة الدينية السياسية التي نعاني من تخمتها ، كما أن محاربة المنكر لايبدأ من تقويم سلوك العامة كأفراد في تصرفاتهم اليومية وإنما يبدأ من تقويم سلوك المؤسسات التي تنتج السلوك الفاسد المضر بالمصلحة العامة وبالسلام والأمن الاجتماعي ولا يمكن حصر المنكر في تصرفات المواطنين العاديين.
ونحن بهذا الطرح لا نمس رسالة الدين ولا نقلل من دور رجال الدين الذين قدموا قدوة حسنة خارج الغايات والأهداف السياسية والدنيوية والمذهبية وإنما نضع هذا التعميم في صورة ما هو سائد ومشاهد وملموس في المشهد الديني المسيّس.
إن هذا الواقع الذي يحيط بجيل الوحدة يحمل كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين مسؤولية وطنية كبرى بداية بالسلطة وانتهاء بالمعارضة وقوى المجتمع المختلفة ممن يؤمنون بأولوية الحفاظ على منجزات الثورة والوحدة، إزاء تقويم الاختلالات التي أنتجتها ظروف وسياسات وتصرفات محلية وإقليمية غير سوية.
وإننا إذ نقف أمام هذا الواقع الذي يتعرض فيه جيل الوحدة للضياع والتمزق فإنما نرمي إلى دعوة الجميع للاصطفاف من أجل التفكير في مستو ى التعاطي مع جيل الوحدة وفي تصحيح خطابنا وآلياتنا المتعاملة معه ، وفي أيجاد آليات تواصل جديدة معه لأجل ترسيخ قيم الوحدة الوطنية التي هي منطلق القيم المعاصرة الأخرى التي ينبني عليها مستقبلهم.سعيا إلى تحجيم ثقافة الإحباط واليأس التي يكرسها الخطاب السياسي المعارض دون أن يتحسب لخطورة ذلك المنحى الذي لن ينتج إلا فكرا مأزوما وجيلا مأزوما لا يستطيع أن يحمل على عاتقه مسؤولية البناء والإصلاح.
الأمر الذي يحمل الدولة والحكومة والمؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولية التعاطي الصائب مع شؤون جيل الوحدة وتصحيح مسار العلاقة بين الخطاب السياسي والخطاب الثقافي والاجتماعي الذي ينطلق من فهم حاجات وأولويات جيل الوحدة لا من أولويات الفاعلين السياسيين في السلطة والمعارضة على حد سواء.
وهو ما يوجهنا نحو مقاربة قيمية مرحلية لجيل الوحدة تحميه من الضياع ومن التمزقات التي تتعرض لها هويته الوطنية خارج المعالجات السياسية والعسكرية التي تتخذ من التطرف والعنف والعنف المضاد مرجعية وحيدة لإدارة الصراع أو تعزيز القيم الفئوية.
وهو ما يدعو كل الفعاليات الوطنية والمرجعيات الثقافية والاجتماعية إلى الاصطفاف من أجل صياغة استراتيجية ثقافية وطنية تحمي قيم الوحدة الوطنية وتنميها في وجدان جيل الوحدة وتقوم سلوكهم وتصحح تصوراتهم وتبني رؤية وطنية وحدوية راسخة لا يمسخها الاستهلاك السياسي اليومي والخطاب الإعلامي الدعائي اللاموضوعي واللاعقلاني.
وإننا إذ ندشن النشاط الثقافي للمركز الوطني للدراسات الثقافية (موثق) إنما نحاول أن نساهم في تشخيص الواقع وتلمس المشكلات والإحاطة بها لغرض التبصير وتقديم الرؤى الوطنية التي تشخص العلل وتحلل الظواهر بصورة موضوعية وعلمية بناءة تساعد صانع القرار الوطني على تلمس الطريق الأصوب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
وما نسعى إليه ونحن في بداية هذا المسار الثقافي الوطني إنما نتوخى تبني منهجية تساعدنا على معرفة واقعنا الثقافي وآثاره وبناء استراتيجيات ورؤى تحمي المجتمع من مخلفات الفعل السياسي البحت ويساعد على خلق التوازن الضروري للتمنية الشاملة بعيدا عن التسييس الشامل لمناحي الحياة الوطنية.وذلك بالنظر إلى احتياجات الفئات والشرائح الاجتماعية وفي مقدمتها الشباب ، وأولوياتها غير السياسية التي تشكل الضمان الحقيقي لنجاح أي مشروع سياسي وطني متزن ،وتنمية شاملة تحقق أبعادها المتوازنة بشريا وماديا .
والله والوطن من وراء القصد
*عبد الحفيظ النهاري
رئيس المركز الوطني للدراسات الثقافية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.