يُحكى أنه دخل ديكٌ إلى حوش أحد الجيران وأكل حبّة كانت لهم في الحوش، مباشرة ارتفع صوت صاحب الحوش وقام مطالباً جاره صاحب الديك بحبّته التي «نقمها» أو أكلها الديك، فقال صاحب الديك لجاره: سأعطيك بدل الحبّة حبوباً كثيرة؛ لكن لا يمكنني أن أعيد إليك الحبّة التي قد ابتلعها الديك، فأصرّ واستكبر صاحب الحوش بأنه لا يريد إلا حبّته التي في معدة الديك أو الديك نفسه، فسار هذا المثل بين الناس للدلالة على التعنُّت والتمسُّك بالرأي ولو كان خطأ..!!. الحوار القائم بين الفُرقاء السياسيين في اليمن وبالذات من يمتلكون القوّة ينطلق من قاعدة المثل الشعبي: «حبّتي وإلا الديك» وهو أيضاً يعكس الصراع الإقليمي القائم على تركة الربيع العربي التي تشبه إلى حد كبير تركة الرجل المريض، وهو اللّقب الذي أطلق على تركة الدولة العثمانية بعد سقوطها. تتقاسم السياسات على المستوى الدولي والإقليمي والمحلّي أحلامنا نحن البسطاء الذين نحلم بمواطنة متساوية ونحلم بأمن وأمان والعيش بكرامة إنسانية، كل منهم يريد لنا أحلاماً كما هي في مخيّلته، يريدنا أن نفكّر كما يريد، ونعبد الله كما يريد، ونرشّح من يريد، ونكره من يريد، ونحب من يريد، ونعادي من يريد ونسالم من يريد؛ وإن لم نتبع هذا أو ذاك فسنظل في صراع قائم تديره قاعدة «حبّتي وإلا الديك»..!!. هذا ما يمكن أن نسمّيه «الاستيطان الفكري» وإلغاء عقول الآخرين، استيطان تحكمه القوّة ليس على فكر أشخاص وإنما على أفكار شعب ومقوّمات بلد، ومن لم يقبل الاستيطان، فالصراع هو البديل، والدماء هي الطريق إلى الحكم تحت مسمّيات مختلفة. لم تعد هناك ولاءات للوطن بقدر ما هناك ولاءات لأشخاص، أين حب الوطن الذي تدّعيه كل الأطراف، أين الارتهان إلى الدستور والقانون وصندوق الاقتراع الذي يدّعونه..؟! أصبحت القوّة هي الحَكم، وتناسى الجميع أن هناك قوّة لن تصمت ولن تقبل بالاستيطان الفكري، ولا طريقة الحوار القائمة على قاعدة «حبّتي وإلا الديك» إنها قوّة البسطاء الذين يخاف منهم كل من يمتلك القوّة، إنها قوة الشارع. وطني هو وطنك، وفكري لا يمكن أن يرتهن لفكرك، هذه قاعدة يقبل بها الشارع، يقبل بها المثقّف، لنفكّر معاً من أجل أن نلتقي، لنختلف من أجل إثراء الحياة، لا يمكن أن نكون تابعين، ولم نعد في العصر الحجري، نحن في الألفية الثانية من القرن العشرين يا من تنادون باستيطان عقول الآخرين..!!. [email protected]