خِطاب الأخ عبدربه منصور هادي الأخير من عدن حمل الكثير من المستجدات والمتغيرات في طبيعة الخطاب السياسي المستقبلي وفتح «شاقوصي» للمزيد من شبق صراع السياسة والمصالح وجدلية الطائفية وحقيقة الصراع (الخليجي - الإيراني) على الأرض اليمنية، في الوقت الذي يحتّم على القوى السياسية عدم تكريس هذا الصراع وجعله أمراً واقعاً ومقبولاً لدى الشارع اليمني، وتأكيده قولاً وعملاً من طرف القيادات السياسية وأبرز اللاعبين في المشهد. هادي اتّهم صراحة إيران بالتدخل في اليمن وإن جماعة «أنصار الله» مجرّد أيدٍ ودُمى تُنفّذ أجندة طهران، بتعبير آخر إنها تتمسّح بطلاء (ثوري) ، حقوقي وشعارات محاربة الفساد، والوقوف في وجه الإستكبار الأميركي والاستعمار الصهيوني وجرائمه في العزيزة فلسطين. كما أشار هادي، أيضاً، في حديثه لمسألة المذاهب في اليمن (شافعي - زيدي) الأمر الذي عدّه الكثير من المراقبين بمثابة زلّة ما كان ينبغي عليه الوقوع فيها، ناهيك عمّا عكسه - حسب الكثير من الخصوم والنقّاد - هجومه على إيران واتهامها بكثير من التّهم، إضافة لظهوره مرتمياً باندفاع شديد في أحضان الشقيقة الكبرى (السعودية) وما تضمّنه كلامه من نبرة تحدّ مبالغ فيها، لاسيما وظروف البلاد صعبة ومعقدة لهذا الحد، وهذا، أيضاً، ما جعل البعض يصفون خطابه وبرنامجه بأنهما يُخاصمان مشروع السلام والحوار.. للتوضيح أن ما نقوله هنا لا يندرج في باب تصيُّد الأخطاء، أو إشارات معينة في خطابه وقرارته الآخيرة، وإنما نعكس ما يعتقده البعض بأن حديثه وزلّته يظهران بجلاء، وبمختلف الألوان اللُغوية، الإصطلاحية، الدلالية، الرمزية. على أية حال نحن بصدد الحديث عن وضع عام مشوّه وخطير، سياسياً وأمنياً واقتصادياً واجتماعياً وكل الأطياف والقوى السياسية مسؤولة عنه وشريكة في تأزيمه ،وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة ، وعلينا أن لا ننسى أن هناك أطرافاً تُتّهم مراراً وتكراراً، بأنها تتحمهل مسؤلية تعطيل الحوار كُلما شارف على الإنتهاء، وهذا أمر خطير ومؤثّر جداً ، لأن أي تعطيل من شأنه أن يطيل من أمد وعمر الأزمة ويقدّم خدمات مجانية على أطباق من الألماز والذهب للإرهاب كي يتمدّد بكل حرية وأريحية، إلى جانب خدمته ، أيضاً، لمشاريع التقسيم والتدخُّلات الخارجية، لأن أي تضعضع ، أوضعف وانهيار للدول، يعني تسهيل مهمّة التدخُّل الخارجي الذي تتسرُّب معه السيادة ويفقد القرار الوطني حضوره واستقلاليته، وأمر آخر ربما أنه أشدّ خطراً، وهو التأسيس للفكرة الطائفية البغيضة ونشرها في المجتمع، وفي حالتنا ربّما إن أول ثمارها قد تمثّلت بتفجير مسجديّ «بدر»، و«الحشوش» في العاصمة صنعاء ومحاولة تفجير جامع الهادي في صعدة يوم الجمعة 20مارس (2015). تأكّدوا إن سيناريو الصراع لن يظلّ بهذه الطريقة مراوحاً بين الكرّ والفرّ، والمد والجزر ، فإذا ما أمعنت جميع الأطراف الفاعلة بالإنكشاف على الخارج والإرتهان له، والسماح للشعارات والخطابات والممارسات الطائفية والمناطقية بالتّقطير على أرضية سفينتنا الوطنية والاجتماعية والفكرية، فسوف تخرقها ليغرق الجميع، لتندلع صراعات شاملة لن تقتصر على مكان واحد، أو محافظة بعينها، بل ستشتعل في معظم المحافظاتكمأربوالبيضاءوعدنولحج وأبين والضالع ، وشبوة ، خصوصاً إذا ما استمرّ الإخوة في المحافظات الجنوبية يحشدون المسلحين ويحرّضون ضد كل ما هو شمالي وينهبون المعسكرات ويقتلون ويطردون ويذلّون منتسبيها مناطقياً، وما يترافق معها، أيضاً، من ممارسات بنفس الطريقة ضد المواطنين المدنيين من أبناء المحافظات الشمالية في عدنولحج وأبين وحضرموت وغيرها.. يعني إن الإمعان في هذا الجنون لا يمكن تعريفه ومقارنته، إلا باستدعاء النسخة العراقية والسورية وإسقاطها على بلد الحكمة. نقول هذا الكلام ولا نبرّىء أنصار الله أبداً فهم ، أيضاً يتحملون كثيراً من المسؤلية، وإذا ما استمروا على مواقفهم المتصلّبة التي تتميز بحدّية واضحة في الخطاب السياسي والإعلامي وفي بعض الممارسات الإقصائية ،والمتهورة هنا ، أو هناك، فإن جبهات الصراع ستكتسي بالدّخان، ومن ضمنها جبهة (تعز - لحج)، (البيضاء - يافع - مكيراس)، (الضالع - ردفان - لحج)، (مأرب - صنعاء - الجوف - البيضاء)، وسيدخل الفرقاء مرحلة جديدة من المواجهات والضياع، وبمشاركة ما تيسّر لهم من طيران حربي وقِطع وزوارق حربية، وأمام كل هذا الجهاد (المقدّس) سيضخّ المتحاربون الرئيسيون في الخارج الأموال والأسلحة والتوجيه الإعلامي لتغطية الاقتتال وتغذيته كي يكتمل بدره الطائفي والمناطقي. فريق هادي ومعه الإصلاح، بالطّبع، سيحشدون المقاتلين من الشمال والجنوب معاً، تحت يافطة محاربة المتمردين والروافض، و(المجوس) عملاء إيران، والحوثيون سيحشدون من جانبهم مقاتليهم عقائدياً ومناطقياً لمواجهة من يسمونهم ب «الدواعش»، والقاعدة والوهابيين وعملاء (السعودية) وقطر ، وهكذا. نذكّر ونكرّر ونقول: أوضاعنا شديدة الحساسية والخطورة والمسألة مسألة وقت، حتّى ينفجر مستعر الحرب الأكبر الذي سيقتلع الجميع ويحرق الجميع، لا سيما وهناك من سيموّل ويدعم ويدافع عن أطراف الصراع في مجلس الأمن وغيره.. مع التأكيد على حقيقة إن المجتمع الدولي وقراراته لن يعملوا شيئاً حيال اليمن، ولن تنفّذ أي قرارات، أو بيانات، هذا إذا صدرت على حين غرّة من عيون روسيا والصين.. باختصار شديد على صوت العقل أن يستيقظ من سباته، ويعمل شيئاً، لوقف كل هذا التداعي والانطلاق نحو الكارثة غير المحسوبة العواقب، أو المحمودة النتائج. [email protected]