وأنا أحاول متابعة ما يحدث في أجواء صنعاء من تحليق للطيران الحربي وتصدّي المضادات الأرضية للطيران المُغير، لفت انتباهي سربٌ من الحَمام يحلّق في الجو، يدور ويرتفع غير آبهٍ بأصوات الطائرات والمضادات التي تتزايد مع مرور الوقت. وقفت أراقب هذا المشهد وفي نفسي الكثير من القلق والخوف على سرب الحمام ، رمز السلام الذي أصبح بين نيران الطائرات المعتدية ونيران المضادات التي تُطلق باتجاه تلك الطائرات، وفي نفس الوقت على الناس الذين يمشون على الأرض، والذين هم في مساكنهم وفي كل مكان وقد فقدوا الأمان وغاب عن بلدهم السلام، فالحرب لا تفرّق بين مُحارب وغير محارب، وهكذا هي عادة الحروب الحقيرة والمجنونة. بدا لي بأن سرب الحمام يتحدى الحرب أو أنه يريد إيصال رسالة من خلال خروجه بكثافة عالية ليحلق عالياً في الأجواء ، رغم النيران الهابطة من أعالي الجو والصاعدة من الأرض. المناخ السائد في هذه المرحلة لا علاقة له بالسلام ولا مجال للتحليق في جو السماء المشتعل بنيران الجنون العربي الإسلامي. الحَمام يحلّق فوق صنعاء بشكل لم أشاهده من قبل، وأعداد غير مسبوقة من هذا الطائر الجميل وهي تبسط أجنحتها للرياح لتعلو بها وتنخفض، وهي تؤدي عروضاً لا يعكرها سوى هذه الحرب التي تبدو بلا هدف أخلاقي وإن قيل عنها غير ذلك.. حربٌ ليس ميدانها هنا في هذا البلد الذي هو بحاجة لكل مقدراته وأكثر من أجل الإنسان. حربٌ كان بالإمكان تفاديها لو لم تكن هذه الحرب بحد ذاتها هدفاً مسبقاً لمن يقومون بها. كان بالإمكان أن ندخر هذه العنتريات التي نمارسها على بعضنا لنواجه بها العدو الحقيقي. وكان ولم يزل هناك مجال لتوفير متطلبات الحرب والعدوان لصناعة وفاق وشراكة بين الأطراف المختلفة في هذا البلد بمساعدة الملايين وربما المليارات التي تذهب من أجل تدمير البُنى التحتية وقتل الإنسان في اليمن. هذه الحرب شاء أطرافها أم أبوا تؤسس لحالة من الاستقطاب والفرز على أسس لم تكن حاضرة من قبل، وما لم تتوقف في أسرع وقت دون عناد أو إصرار على تحقيق أهداف وهمية لا يمكن تحقيقها سوى هدف التدمير والقتل لأغراض في نفوس المعتدين. استمرار الحرب يعني أن يتشكل وعي مغاير لما يريد أصحاب العاصفة، ومع مرور الوقت ستأخذ هذه العملية بُعداً إقليمياً ودولياً لهما حسابات مختلفة وأهداف مغايرة. لهذا نقول : لابد من مراجعة سريعة لهذه العاصفة التي يبدو من مسماها الشؤم على الجميع، وبالتالي إيقاف هذه الحرب في نسختها الخارجية على البلد، لتتجه الجهود بعد ذلك نحو إيقاف الاقتتال الداخلي على الأرض والعودة نحو طاولة الحوار والتعايش والشراكة. لا يجب أن تُقاس الأمور من وجهة نظر واحدة، اعتماداً على التفوق في سلاح الجو، فلا يمكن للطائرات أن تفرض واقعاً سياسياً ولو صار هذا البلد رماداً، غير أنه قبل ذلك التحول سيحدث ما يلخبط كل الحسابات، وبما يجعل من قرار بداية الحرب والعدوان لعنة على متخذيه. دعوا الحمام يحلق في سماء صنعاء وكل أجواء اليمن بأمان وسلام، فلا يمكن إبادة شعب من أجل فكرة غير عاقلة وهدف أشبه ما يكون بالوهم.!.