الآن وقد تم تدمير الكثير من المنشآت والبُنى التحتية، والكثير من المنشآت العسكرية لهذا البلد، وتدمير المساكن على رؤوس ساكنيها وقتل الكثيرين منهم، وبعدما تحوّلت حياة الكثيرين من الأبرياء والفقراء والمساكين إلى جحيم فوق ما كان من قبل، وبعد أن صار الماء في المنازل حكاية موغلة في التعب والعناء، ومثله البنزين والديزل والغاز، وبعد الحصار الذي فُرض بقوة السلاح على هذا البلد براً وبحراً وجواً بحيث لا يصل شيءٌ من متطلبات الحياة. بعد هذا كلّه ألم تطب نفس المعتدي الذي دمّر كل ما استطاع أن يدمّره من أعالي الجو، وهل طابت نفوس الداعين إلى هذه الحرب والمؤيدين لها والفرحين بها..؟!. لا أظن أن تدمير هذا البلد بحالته التي كان عليها يمنح المعتدي صك البطولة، ويمنحه هيبة إقليمية ودولية تجعل مكانته عالية بين الأمم؛ لأنه وعلى لسان وزير خارجيته سارع بالنفي قائلاً إنه ليس في حالة حرب مع أحد غير اليمن، حتى الدولة التي شنّ حربه علينا من أجلها ووجه رسالته إليها عبر تدمير مقدّرات هذا البلد وقتل الأبرياء فيه نكاية بها؛ حتى تلك الدولة أكد أنه لا يحاربها ولن يحاربها. مشكلتنا نحن العرب بالذات أننا أبطال على بعضنا وأكثر بطولة على الضعفاء منّا، وهكذا حين يتولّى الضعيف على من هو أضعف منه تراه يجهز عليه بلا هوادة، حتى بعد موته يستمر الضعيف ممسكاً بضحيته خوفاً من أن تقوم من مماتها لترد عليه، وفي هذه الحرب التي يشنّها الضعيف على من هو أفقر منه ليس على من هو أضعف منه، لأن ميزان القوى لا يقف عند سلاح الجو فقط؛ ثمة قوة عنوانها العزيمة والاعتزاز بالنفس والإصرار على البقاء ومقاومة كل أنواع المتاعب دون كلل أو ملل، لن يستسلم الضحية وإن جرى تدمير بلده، ولن يخضع مهما جاع أو تعب..!!. هذا العدوان الذي لا يفرّق بين الضحايا ويستهدف المساكين قبل غيرهم يدلُّ على أصحابه، إلى اليوم ومن قبل كنّا نسمع نواح العرب والمسلمين واستنكارهم للحصار الجائر على قطاع غزّة من قِبل اسرائيل، وكنّا نلعن الدول العربية المجاورة للقطاع المحاصر كونها لم تفعل شيئاً لفك الحصار الظالم العنصري، فماذا نقول اليوم عن حصار اليمن برّاً وبحراً وجواً، ومن نلعن يا تُرى، وماذا نقول عن الضحايا المدنيين الذين تطالهم صواريخ الطيران المعتدي، ثم ماذا ينبغي أن نقول عن الجلاد..؟!. ما كان يحدث في غزّة المحاصرة من الكيان الاسرائيلي العنصري يحدث مثله وأكثر في اليمن العربي المسلم المجاور لبلاد الحرمين الشريفين..!!. رأيت أطفالاً ونساءً من الفقراء والمساكين ومن الذين كان حالهم مستوراً وهم يجرون من مكان إلى مكان بحثاً عن مياه الشرب وللأغراض الأُخرى، فالمياه لم تعد تصل إلى المنازل التي كانت تصل إليها بسبب انعدام الديزل والكهرباء للمضخّات، ومضخات الآبار توقف أغلبها لنفس السبب، وعلى هذا تُقاس بقية الأمور. فهل طابت نفوس المعتدين وحقّقوا بطولتهم المرجوّة على هذا الشعب وأثبتوا رجولتهم أمام العالم، وهل مازال هذا العدوان بطعم العسل كما يصفه الراقصون له والمؤيّدون له وللحرب بشقيها الخارجي..؟!.