أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظفاري .. رجل السؤال .. المتعطش دوماً للمعرفة والحقيقة : جعفر الظفاري .. ريادة وتميز
جزم أن الموشح الأندلسي يعود بجذوره إلى « الحميني اليمني »
نشر في الجمهورية يوم 20 - 12 - 2006


عبدالباري طاهر
الأحد الماضي، كان إتحاد الأدباء بعدن يدشن أول أيام مهرجان عدن الثقافي، في دورة هي الثانية له.. المهرجان الذي سبقه يوم «الأديب اليمني» بتنظيم من الأمانة العامة لإتحاد الأدباء، اختار فاتحة أعماله لتكريم شخصية إنسانية وفكرية وبحثية، وصحافية.. إنسان اهتم بالشعر وتقسيمه إلى «فصيح» و«حميني» ورجل من طراز نادر تميز بحبه العميق للتراث والآثار،من توفير الموسوعات في العلوم كافة، وتصوير صحف الخمسينيات، وتنظيم أرشيف خاص للوثائق والكتب اليمنية الهامة... إنه الدكتور/جعفر الظفاري.. في الندوة المخصصة للاحتفاء بالرجل الإنسان، تحدث الأستاذ عبدالباري طاهر عن ريادت بورقة عمل متميزة، والدكتور/يحيى قاسم سهل، عن الظفاري كباحث متميز في مركز الدراسات والبحوث، وقرأ/كريم الحنكي في سيرته الذاتية.. .. «الجمهورية» وتقديراً منها لدور الرجل، تنشر ماكُتب عنه في هذه المساحة، ومشاركة في التكريم والاحتفاء الذي جاء متأخراً بعض الشيء في مهرجان عدن الثقافي «وميض الأرض» ،لكنهم يشكرون على تذكره في الوقت الذي تناساه كثيرون .. فإلى ماكتب: المحرر
- منذ مطلع السبعينيات بدأت تظهر بحوث عميقة ومهمة في مجلة الثقافة الجديدة الصادرة عن وزارة الثقافة في عدن تحمل اسم جعفر الظفاري.
كان الاسم معروفاً ومشهوراً، فقد أعد رسالته للماجستير عن الحميني في لندن مطلع الستينيات.
وكانت رسالته بالإنجليزية بداية ريادة البحث العلمي الحقيقي عن الحميني، وقد لقى المبحث الأكاديمي والريادي التجاهل، إما بسبب جهل الباحثين بالانجليزية أو لاعتبارات أخرى.
ولم تترجم الدراسة المهمة حتى اليوم باستثناء مبحثين نشر في مجلة اليمن الصادرة عن مركز الدراسات والبحوث «جامعة عدن».
ويتسم بحثه بالدقة والعلمية والعمق، فهو يقسم الشعر في واقع اليمن إلى حكمي فصيح وحميني، وهو الشعر العربي الملحون المكتوب بأي لغة دارجة من لغة دارجة من لغات الحديث اليومي، ويشير أن أصحاب المعاجم المختلفة لم يشيروا إلى لفظة حميني بما في ذلك نشوان الحميري في معجمه شمس العلوم، والصاغائي وابن دريد اللذان زارا اليمن ودرسا فيها، كما أن صاحب القاموس الذي عاش في زبيد هو الآخر لم يشر للمفردة التي كانت مرادفاً للمصطلح العربي «الموشح».
في الفصلين اللذين نشرا في مجلة اليمن وهي مجلة محكمة يرأس تحريرها الباحث الدكتور جعفر الظفاري وقف الباحث مطولاً إزاء المصطلح «الحميني» فقسم الشعر إلى حكمي وحميني، وتجلت العبقرية في دقة التقسيم، وفي صواب التعريف ،وهو الأمر الذي سار عليه الباحثون من بعده دون الاشارة إليه للأسف الشديد ولفتني في تعريفه أنه في حين يعرفه بأنه: «الشعر العربي الملحون، المكتوب بأية لغة من لغات الحديث اليومي يتتبع بنوع من الموسوعة والاستقصاء ما وسعه الأمر بادئاً بأول رائد من رواده ابن فليته حسب اشارة الخزرجي.
والحقيقة أن الباحثين من بعده على كثرتهم لم يضيفوا إلاَّ إضافات تؤكد صدق منهجه والوصول إلى مايشبه التوكيد على المنطقة التي نشأ فيها الحميني،وتحديد المنطقة بالتحديد «الحمينية» في حيس.
وهناك اختلافات تتعلق بأقدمية الحميني ،حيث يمتد به البعض إلى ماقبل الإسلام..
أحمد محمد الشامي، ومحمد بن على الأكوع، وهناك إضافات مهمة تتعلق بلغة نوع معين من الحميني تغلب عليه اللهجة التهامية، كما أن هناك خلافات أيضاً حول علاقته بالموشح الأندلسي، وأسبقية أي منهما؟
قسم الباحث المختلفين من حول المصطلحين الموشح والحميني إلى ثلاث فئات ودرس آراء ووجهات نظر كل فئة، وقد درس عميقاً تعريفات كل واحدة من الفئات الثلاث مع نقد فني وموضوعي لتعريفاتهم ورؤاهم.
يصل الباحث إلى نتائج مدهشة، فالتزام الحميني بالفصيح الملحون قد نجم عن تعدد اللهجات اليمنية وتنوعها وتعددها، وتحولات من فترة لأخرى، وقد كان من ثمار التزام عربية المفردة إلى توحد الأغنية التي أثرت عميقاً في توحيد الوجدان والتذوق.
ويرجع نسبة «حكمي» إلى حكم القبيلة الكهلانية شرق جيزان ،بينما يتوقف إزاء مصطلح «حميني» ومعه حق ،ولكن الباحثين المتأخرين توصلوا إلى نتائج تربط النسبة بالقربة المعروفة حمينية بالقرب من حيس والمنطقة كلها معروفة بالحمينية وإليها ينتسب أهم مؤسسي الشعر الحميني: ابن فليته،المزاج، العلوي، الأهدل، وقبل الجميع أبوبكر إبراهيم بن يوسف الحكاك ويشير إلى التوافق بين لفظية الحميني ولفظة «Hymn» هيمن بالإنجليزي،ويلاحظ ومعه كل الحق أن التحوير غالباً ما يرافق النقل من لغة لأخرى ويستطرد للربط بين اليونان والحضارة المعينية والحرف الفينيقي المحور عن خط المسند الحميري ،وهي اجتهادات لها وجاهتها.
ويأتي على ذكر عصري التدوين والاحتجاج وقد حدد زمنيا به 150 عاماً ومكاناً بالقبائل التي أشار إليها، والواقع أن الولاء للعصبيات القبلية والانحياز للبداوة قد لعب دوراً حاسماً في تدوين اللغة، وهو ماحرر اللغة العربية من روافد معينة خصوصاً في المناطق الحضرية في اليمن و العراق والحجاز وبلاد الشام.
أما القسم الآخر فيتناول أهم شعراء الحميني، وبداية التأسيس الحقيقي لهذه التجربة الإنسانية الرائعة بادئاً ككل الباحثين بالعلم الأشهر أحمد بن فليته الحكمي، والإمام الواثق بالله المطهر بن محمد بن المطهر، وقد أشار الباحث عبدالجبار باجل إلى شاعر قبل الاثنين هو أبوبكر الحكاك من نفس منطقة حيس مما يعني الكثير.
وقد قام الأديب الشاعر والناشر والفقيد الكبير أحمد محمد الشامي بدراسة إضافية عن الحميني في كتابه من الأدب اليمني بعنوان الشعر الحميني أبرز فيه بجلاء قدم التجربة الممتدة إلى امرئ القيس ودلل بنماذج وأمثلة شتى وعديدة، وجزم أن الموشح الأندلسي يعود بجذوره إلى تجربة الحميني اليمني، ولم تعجزه الأمثلة الكثيرة أيضاً،وعقد مقارنات عديدة بين نماذج متشابهة بين الموشح والحميني.
هجرة الصحابة:
وهناك مبحث آخر لايقل أهمية وتفجير أسئلة مغايرة للسائد والمستقر والمألوف على مدى أكثر من أربعة عشر قرناً تلكم هي هجرة الصحابة قبل هجرة الرسول إلى المدينة، وهل كانت إلى الحبشة أم إلى اليمن؟!
معروف أن كل كتب التاريخ والحديث والتفسير والسير تتحدث عن رحلة إلى الحبشة، وهناك هجرتان معروفتان تتحدث عنهما كل المدوّنات الإسلامية، ولم يسبق أن قرأت على كثرة ما قرأت في هذا الباب من أشار إلى ماتواصل إليه الدكتور جعفر الظفاري.
وربما لم يخطر ببال الكثيرين من الدارسين والمؤرخين وشراح ومحققي السير أن يأتي مجتهد عربي إسلامي لينقض هذه المسَلّمَة «المجمع عليها» باجتهاد فذ وشجاع، وقد عنون مبحثه بنشر عرف الخزامي بذكر هجرة الصحابة إلى أرض الحبشة في تهامة بعد التوطئة يحدد الدكتور أرض الحبشة في تهامة وأرض حكم وعك والاشاعرة وبني عبد المجيد وقد استند الباحث في نقده لرواية الهجرة إلى أرض الحبش إلى قراءة المفردات :حبشة، سفينة، نجاشي الذي أوهم ولازال يوهم الكثيرين بأن الهجرة كانت إلى أكسوم «قاعدة النجاشي وحاضرته».
يقرأ الباحث با أورد، ابن سعد في الطبقات الكبرى عن قصة هجرة أصحاب رسول الله بعد البعثة، فقد أشار إليهم الرسول بالهجرة إلى الحبشة بعد المكابدة والعناء الذي أصابهم من كفار قريش، والقصة تفاصيلها تغطي حيزاً لابأس به في السير والتراجم والتاريخ والحديث وحتى الأدب:
ويقرأ المفردة: ح ب ش بدلالاتها وأبعادها المختلفة وإن فاته الإشارة لاستخدام المفردة بمعنى السحب الداكنة«كقول الهذلي:«شرين بماء البحر ثم تنصبت على حبشيات لهن تجيج» ويأتي على ذكر الغزو الحبشي لليمن قبيل فجر الإسلام وبعده في حملات متكررة في حين لايشير إلى أن حضارة ودولة أكسوم هي الأخرى يمنية، وهناك عشرات الأدلة والشواهد في اللغة والآثار والرقم والنقوش والكتابات بالخط الحميري موجودة هناك الأحباش بين مأرب وأكسوم ص 46، ويؤكد على اقتصار تجارة الحبشة مع اليمن ،وهو رأي صائب وربما أن الأمر كان في المراحل المتقدمة فهناك العديد من الدلائل تشير إلى وجود نوع من العلاقات التجارية قبيل البعثة في المدن الحجازية وبالأخص مكة، وهو ما يدرسه بعمق فكتور سحاب في كتابه القيم إيلاف قريش.
أما عدم معرفة أهل الحجاز بالبحر وغيابه عن شعرهم كما أشار أستاذنا فإن باحثاً مهماً هو يندلي صليبيا الحوزي قد أهتم بهذا الأمر كثيراً، ودلل عليه بشعر وآيات قرآنية.
وقراءة الظفاري عميقة أيضاً ودقيقة وقد اعتمد الباحث على ابن سعد بصورة أساسية.
وقراءة الرواية من الناحية اللغوية: حبشة ، نجاشي، سفينة.
والحقيقة أن مراجعة أستاذنا تثير الدهشة والاعجاب، فقد دلل بإقحام لفظ السفينة في سياق الهجرة الأولى بينما لايرد ذكرها في الهجرة الثانية، ووقف عند المسافة والمدة الزمنية بين حديث الغرانيق كسبب لرجوع المهاجرين من أرض الحبشة محدداً زمن الهجرة برجب في حين كان الرجوع في شوال ونزول سورة النجم في رمضان ،فالمدة بين نزول سورة النجم ورجوع المهاجرين هو شهر واحد على أكثر تقدير، وهي مدة لاتكفي حينها للذهاب من مكة إلى أكسوم والعودة إلى مكة، ويناقش الأمر مناقشة موضوعية وعقلانية، مستشهداً بمسيرة أو رحلة الحيمي إلى الحبشة التي استغرقت قرابة ثلاثين يوماً، وقد قدرها الحيمي بمسيرة شهر.
ويرى وهو على حق أن أظهر ماحمله على القول بهجرة الصحابة إلى أرض عك والأشاعرة يتصل بهجرة أبي موسى الأشعري، وإسلام «نجاشي الحبشة» اصمحة الذي كان يتكلم بلسان عربي مبين، فضلاً عن إرسال الرسول سرية إلى الشعبية منطلق مهاجري أرض الحبشة للمرة الأولى لإخلاء الأحباش عن ذلك المرفأ وذلك في الشهر الرابع من العام التاسع الهجري 630م والواقع أن هناك حديثاً في البخاري في باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة يحكي قصة هجرة أبي بكر، تروي عائشة أنه لما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً إلى أرض الحبشة «حتى وصل برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة.. فأجاره وأعاده إلى قومه وإذا ما عرفنا أن برك الغماد تبعد مسافة خمس ليال من مكة باتجاه اليمن قريباً من جيزان عرفنا أن الرحلة تعني اليمن حقاً.
ومع ذلك فليسمح لنا أستاذنا أن نعيد به ومعه القراءة فهو العالم ورجل السؤال المتعطش دوماً للمعرفة والحقيقة.
أولاً: معروف أن تهامة ظلت تحت التأثير الأثيوبي حتى نهاية القرن الخامس بعد مجيء علي مهدي الرعيني الذي قضى على بقية النجاحيين أما في عهد الصليحيين فقد ظل التنازع قائماً وقبل ذلك فإن تاريخ أثيوبيا واليمن متداخل ومشترك حتى في الجانب الديني والمثيولوجي وفي اللغة والعادات والتقاليد، وقصة ملكة سبأ وأسماء القرى والوديان والمعالم تؤكد ذلك وقد أشار الباحث نفسه لذلك.
ما أريد قوله أن الفضل رغم حاجز البحر لم يكن مانعاً من تشارك وتلاقي ضفتي البحر الأحمر،وكان التأثير والتبادل والتلاقي الحضاري قائماً ،ففي فترة مثلاً كانت المدن التهامية أقرب لأثيوبيا منها لصنعاء مثلاً بينما كانت زيلع وعصب ومصوع ودهلك أقرب لليمن.
فلم تكن الحدود القومية قائمة، ولايستبعد أن تكون الهجرة لمدن أو مناطق في تهامة محكومة أو منسوبة للحبشة بالقدر نفسه لايستبعد أن تكون الهجرة في الساحل الأرتيري القريب لتهامة اليمن والحجاز كدهلك ومصوع وعصب مثلاً.
ويشير صاحب كتاب المنهل في تاريخ وأخبار الدناكل الشيخ كمال الشامي وهو المؤلف القيم والمبحث المهم الذي استكمله ابنه الأستاذ هشام الشامي أن ضفتي الأحمر كانت تضم مستوطنات لكلا الجانبين، وهو مايؤكد صدق ماذهب إليه الباحث فالتشابه قوي بين اليمن والعفر في الشاطئ الغربي وكبير ،كما يؤكد صاحب المنهل وينقل الشامي عن صاحب جواهر الحبشان «أن المسافة بين بلاد أحمد النجاشي وبلدة «معد» على الساحل العفري أربعة أو خمسة أيام وسكان هذه المسافة هم قبائل «طلطال» العربية.
يضيف «أن المستفيض عن أهل هذه الجهة أن الطريق الذي سلكه الصحابة عند هجرتهم من مكة إلى هذه البلاد كان من هذه الجهة، وقبر النجاشي ،كما يؤكد المؤلف يقع في اقليم التجراي.
وتظل الاحتمالات كلها مفتوحة، إذ ليس من المستبعد أن تكون الهجرة إلى مناطق قريبة من سواحل تهامة كما يذهب الباحث أو أنهم قد ذهبوا إلى جزر أو مناطق يقطنها اليمنيون في الطرف الارتيري من الساحل ومهما يكن فإن الباحث قد طرح أسئلة غير مطروقة وأجاب عليها بإجابات غير مسبوقة حقاً.
ودراسته عن عقدة اللون الأسود ومسألة الوجود الفارسي في اليمن، بعد الإسلام تدلل على غزارة علمه وعمق ثقافته وسعة اطلاعه مع شجاعة وذكاء في دراسة وتحليل وتفكيك وبناء القضايا التي يتناولها والربط بين التمييز واللون الأسود والوجود الفارسي وبين الوجود الفارسي وحروب الردة شاهد ذكاء القراءة.
فهناك ربط بين الردة والوجود الفارسي وامتداد تأثير هذا الوجود، وتوقف على النظم الشعوبي «الدوامغ» وقراءة المعالم الأساسية في سيرة سيف بن ذي يزن منها ومعه حق في دمغها بالشعوبية الفارسية والعرقية العربية وبتواضع العالم يتأدب بالقول إذا كان هناك استقصاء غير تام، أو اعتماد على استقراء غير ناقص فالرجاء إقامة الأود والدراسة التي يعود نشرها إلى مطلع العام 74م تمثل قراءة عميقة للحالة اليمنية قبيل فجر الإسلام.
والصراع الأثيوبي الفارسي وسطوع فجر الإسلام.
وتحديد الكيان اليمني عبر قراءة صافية للجغرافيين الإسلاميين، والصراع اليهودي المسيحي والتنافس وحملات الإبادة ضد بعضهما.
ويقف مطولاً إزاء الفرس وظاهرة الأبناء متابعاً خط سيرها المتعرج والغامض على مدى زمني طويل مشيراً إلى سيطرتهم على أهم المدن: صنعاء عدن وبعض مناطق الساحل في تهامة وهو مايؤكده ابن المجاور والوافد من إيران مطلع القرن السابع منقباً عن الآثار الفارسية مع مبالغة مكشوفة.
ويطرح الأسئلة الأكثر حرارة وأهمية كيف أسلم الأبناء؟ ولماذا؟
ويحفر عميقاً في جذور هذه القضايا متتبعاً المصادر والأمهات علها تكشف عن أسرار وخبايا ماحصل بالفعل، هل كتبوا رسالة للنبي كزعم الرازي؟
هل كتب إليهم الرسول كمنحهم صنعاء كقول ابن الربيع الذي أتى بعد.
والملاحظ أن بزوغ فجر الإسلام نفسه كان شاهداً بانهيار الامبراطوريتين: فارس والروم وأن تعاطف الإسلام مع الروم كان أجلى بسبب «التوحيد».
وأن الكيانات التابعة أيضاً في اليمن وأثيوبيا ومصر وبلاد الشام كانت هي الأخرى تتفكك أيضاً كما أن الأبناء لم يعودوا تلك القوة بسبب انهيار المركز وتفكك المخاليف اليمنية وسيطرت الأذواء والأقيال على المخاليف وعلى مراكز القوة والنفوذ ثم إن روح الدعوة الجديدة «التوحيدية» التي لها جذور عميقة في التربية اليمنية حتى قبل الديانات التوحيدية: اليهودية والنصرانية والاستجابة الرائعة طواعية للدعوة قد مثلت عامل جذب شديد وهو ماتجلى في توافد القبائل والمخاليف اليمنية لتصل إلى أكثر من ثلاثين وفداً.
وكلها تعطي البيعة للدعوة الجديدة ونبيها وكان فروة بن مسيلك على رأس وفد صنعاء إلى جانب عمرو معد يكرب وهناك أمر آخر وهو أن الأبناء كانوا قد أصبحوا جزءاً من التركيبة القائمة رغم تميزها عن المجتمع.
وإشارة أستاذنا لأسباب الردة صائبة فهي موجهة في جانب مهم ضد الأبناء ولكن الثورة شملت اليمن كلها وأغلبها لايوجد بها أبناء وليست خاضعة لنفوذهم، كحضرموت وصعدة ونجران ومختلف مناطق اليمن مما يعني أن هناك أسباباً أخرى نتفق تمام الاتفاق مع أستاذنا في أن الردة لم تكن دينية وهو مايقول به صاحب الملل والنحل الشهرستاني ويزكيه صاحب فتح الباري ابن حجر العسقلاني فهذان العالمان يريان أن العرب انقسمت عقب وفاة الرسول إلى ثلاث فئات أو أربع فئات ارتدت عن الدين وهم بنو حنيفة وتميم وأهل اليمامة ،أما القسم الثاني فهم الذين امتنعوا عن دفع الزكاة أما الأغلبية العظمى فقد وقفت على الحياد وقد فهم الخليفة حقيقة الأمر فرفع شعار «والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه على عهد رسول الله لقاتلتهم على ذلك».
أما اليمنيون فقد رفعوا شعار «أيها المتوردون علينا خذوا فضلات أموالنا من أغنيائنا فردوها على فقرائنا».
وكان الرسول يحث الجباة على عدم أخذ كرائم أموال الناس ويذكر المؤرخون إن الجابي في حضرموت «زياد بن لبيد» أخذ ناقة لعدي بن حجر وليس عليه صدقة وكان ذلك سبباً في إشعال الثورة هناك، وهناك عوامل عديدة تضاف إلى الصراع مع الأبناء بعضها يرتبط بما جرى في سقيفة بني ساعدة وتغلب عصبية قريش، وتجاهل دور الأنصار المرتبطين بالأوس والخزرج وهناك بقايا نزوع للعودة أو استعادة مركز اليمن أيضاً وهناك التنافس بين المخاليف والزعامات المختلفة وأشعار عمر معدي كرب الزبيدي شاهد الاضطراب الفاجع في التحالفات السريعة والمتغلبة مع وضد في آن واحد حتى داخل صف الثائرين أنفسهم فقد ناصر قيس بن مكشوح المرادي المتمرد عبهلة بن كعب ثم انقلب عليه.
وعذيرك من خليك من مرادي شاهد الحال.
والسؤال الذي يطرحه المفكر هل شارك الأبناء في الفتوحات؟! والتدليل بالإيجاب شاهد اندماج الأبناء في البيئة اليمنية ويذكر الحداد في تاريخ اليمن السياسي إن بعض الأبناء قد ارتبط بمصاهرة مع خولان حينها وهو ماحماهم في صنعاء وحواليها ويمكن قراءة امتزاج الأبناء باليمن أن بني سحيم وتحول اسمها إلى بني حشيش وحشيش هو القائد الفارسي بعد باذان وفيزوز الديلمي وهناك قرى تحمل الأسماء الفارسية في بني حشيش «الفرس» زنجان والأبناء فقد يفسر إسلامهم وامتزاجهم بالصراع الداخلي اليمني فقد توزعوا على خارطة الصراع اليمني واليمني العربي الإسلامي ويدرك عميقاً مغزى التشيع العلوي كما ارتكز البيت الأموي على العصبية العربية كعرق ويعيد عدم امتزاج الأبناء إلى العنصرية التي شجعتها الارستقراطية العربية الحاكمة ومع صواب رؤية ومنهج الباحث إلا أن هناك عاملاً آخر أشار إليه ابن الأثير في الكامل «وهو أن اليمن قد ثارت ضد الأبناء وعمدت إلى تهجيرهم لفارس بعد أن قسموهم إلى قسمين: من أعطى الولاء للثورة ولم يقم بأي عمل عدائي ضدها أقر على بقائه في البلاد أما الآخرون فقسموا فرقتين: فرقة حملت بحراً من عدن، والفرقة الأخرى مرت بالغرب تحت حراسة شددت عليهم، ويشير في مبحثه القيم إلى الأدب الشعوبي الأبناوي.
ويقرأه بتتبع ونجد امتداداً للنزعة الأبناوية في رحلة سيف ذي يزن وملحمة فيروز وفي تاريخ المستنصر لابن المجاور الفارسي والحقيقة أن كتب فارس الشهنامة تكرس هذا المبحث وهي بحاجة إلى دراسة مستقلة والربط بين التشيع والنزعة الأبناوية ليس عبثاً.
والإشارة الذكية إلى محنة لسان اليمن الحسن بن أحمد الهمداني وبداية الحفر في الجذور وظهور العصبية: العدنانية لها علاقة بالتحالف العدناني الأبناوي أما التنابز بالألقاب بين نشوان بن سعيد وأخيه أحمد بن سلمان فهو صراع عائلي يستنجد كل واحد منهما بعصبي الأب والأم لتبرير الطموح للحكم.
والموقف أو الخصومة للأحباش واللون الأسود أيضاً ملتبسة وبحاجة إلى أكثرمن دراسة وإعادة قراءة، لا أتفق مع أستاذنا أن قريشاً جاءت إلى الحكم وجاء الإسلام وقد ترسبت في مسالك نفسها كراهية الأحباش النصارى الذين حاولوا قبل الغزو الفارسي لليمن أن ينتزعوا زعامتها الدينية، ويقوضوا مركزها الاقتصادي، فليس من المستغرب إذن أن يصور الوجود الحبشي الثاني في اليمن أقبح تصوير، ويلقي باللوم ومعه حق على متهودة اليمن من أمثال وهب ابن منبه وعبيد بن شرية في تضخيم دور اليمن وربطه بماضي بني إسرائيل.
معروف أن عداوة الإسلام الحقيقية في البدء كانت موجهة ضد الوثنية، ووقفت إلى جانب الروم في مواجهة الفرس «ألم غلبت الروم في أقصى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون» الآية، ولتنبؤه بانتصار الروم علاقة بالمسيحية: الرومي الإثيوبي.
ثم أن العلاقة بين إثيوبيا وتهامة كلها بمافي ذلك مدن الحجاز مكة والمدينة كانت دينياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وكانت الحبشيات مفضلات في كبار الأسر القرشية خصوصاً آل عبدالمطلب وهو ماتؤكده السير.
ولافت أنه من أوائل من آمن بالدعوة غالبيتهم من الموالي وبالأخص الأحباش:
بلال، وسمية، وعمار بن ياسر.
وكانت صحيفة المدينة ذروة هذا التحالف "التوحيدي" وجاءت غزوة الخندق ونكث بني النضير وبني قريضة لتعلن الحرب ضد اليهود، ولتعمق التآلف مع النصارى.
صحيح أن الإسلام كان ناسخاً لما سبقه من ديانات وبتحديد أكثر التوراة والإنجيل «العهدين: القديم والجديد» وعملياً فإن الإسلام نفسه كان نذير انهيار الإمبراطوريتين وحلفائهما، وتطهير الجزيرة العربية من نفوذها ولكن الميل كان واضحاً لصالح تحديد إثيوبيا والمواجهة أكثر مع الفرس، فقد أثنى الرسول على النجاشي وأوصى أصحابه بالهجرة إليه شاهداً أنه لايظلم في ملكه أحداً، وصلى عليه وهو ما أشار إليه الباحث والعالم جعفر الظفاري.
إن الحديث عن المبالغة الإسرائيلية في التفسير قائمة.
وتداخل النفوذ الفارسي فيما بعد مع الأستقراطية العربية واليمنية واقع حقيقي وتداخل التشيع مع الإرث الفارسي القديم جلي، وعصبية العباسية والعلويين واستنادها على مجد فارس معروف أيضاً، وقد أمتد أثر ذلك عميقاً في المجتمع اليمني خصوصاً في مناطق معينة حتى اليوم، ولكن هذا الغلو كان رداً على العصبية الأموية الحاكمة وجلوزتها.
اللون الأسود:
أما الكراهة للون الأسود فإرث وبيل، ولكنه مرض بشري، عرفته الكثير من المجتمعات البشرية، واليمن أو العرب ليست الاستثناء، ولكن مايعيب العرب واليمنيين على وجه أخص أنهم أقرب للسمرة والسواد منهم إلى أي لون آخر، وقد يكون النزوع العنصري مرده إلى توارث الأفكار الآتية من الحواجز في جانب معين، أو أيضاً بسبب الصراع كما هو حال اليمن، وقد ارتبط السواد أيضاً بالرق والعبودية ، ونعرف ازدهار تجارة العبيد في مراحل مختلفة من التاريخ، وللمسألة أيضاً دخل في تنميط الذوق والعرقية الجمالية في الشعر العربي والنثر في فترات معينة، وحقيقة فإن «سيرة سيف بن ذي يزن» تعكس هذه العرقية والعنصرية المقيتة.
وقد استمرت هذه النظرة الازدرائية داخل المجتمع اليمني نفسه.
وكان نصيب المولدين فادحاً حتى اليوم، فقد ظل التلفزيون اليمني يعلن لوظيفة مراسل أو فراش على اشتراط «أن يكون من أبوين يمنيين» وينال التمييز بقايا العبودية والأخدام بل مناطق شاسعة في تهامة والجنوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.