ما يحدث علاقات عابرة وخرق للفضائل والأخلاق - استطلاع/ خالد حسان علي .. الصداقة أكبر من مجرد لقاء عابر .. إنها التزامات أخلاقية وأدبية ومواقف إنسانية مبنية على الصدق والوضوح وقائمة على التعاون والمساندة والدعم اللا محدود.. إنها باختصار شديد علاقة مقدسة أقرب إلى العطاء والتضحية منه إلى المصلحة واشباع رغبات آنية.. وفقاً لما سبق هل يبقى ثمة مساحة لصداقات الانترنت؟ وإذا لم يكن التعارف عن طريق الانترنت صداقة.. فماذا يمكن أن يكون؟ علاقة عابرة قبل الخوض في تفاصيل الحديث عن التعارف عن طريق الانترنت يحرص الأخ وسام «25 عاماً» على ضرورة التفريق بين الصداقة كقيمة معنوية وانسانية عظيمة وبين مجرد علاقات عابرة يقيمها الأشخاص فيما بينهم على صفحات الانترنت بين الوقت والآخر.. فبإمكان الواحد منا على حد تعبير الأخ وسام أن يتواصل مع عشرات الأشخاص يومياً عن طريق الشبكة العنكبوتية ويتحدث معهم عن خصوصيات وتفاصيل كثيرة، لكنه يحتاج إلى أشهر أو سنوات أو ربما العمر كله ليحصل على صديق واحد مخلص ووفي وفيه كل المزايا والصفات المطلوبة في الأصدقاء الحقيقيين الذين قلما نجدهم في واقع الحياة. فقاعات صابون ما يحدث إذاً عن طريق الانترنت هو معرفة جزاع وقت، كما يؤكد ذلك زكريا المنيفي «طالب جامعي» إذ يرى أن أغلب العلاقات الناشئة عن هكذا تعارف ماهي إلا محاولة لتمضية وقت فراغ لا أقل ولا أكثر ،فالكثير من الأشخاص وبخاصة الشباب يحرصون على تكوين علاقات مع غيرهم من الشباب والشابات لكنهم لا يعيرون هذه العلاقات أية أهمية تذكر فإذا لم يتجاوب معهم الشخص المطلوب بحثوا عن غيره وهكذا فواقع الحياة عند هؤلاء ممتلئ بالأشخاص من مختلف الأماكن والجنسيات لكنهم أشبه ما يكونون بفقاعات صابون سرعان ما تتلاشى وتذهب أدراج الرياح. شك وعدم ثقة أما لماذا علاقات التعاون عن طريق الانترنت أشبه بفقاعات صابون؟ فيؤكد العديد من الأشخاص ومن بينهم الأخ فؤاد محمد يحيى «مدرس» بأن مثل هذه العلاقات ينقصها الصدق والوضوح منذ البداية فالكثير من الأشخاص وبخاصة الفتيات لا يعطين أسماءهن الحقيقية بل يتعاملن مع الآخرين بأسماء مستعارة وأحياناً ربما يتحدث الرجل مع غيره على أنه امرأة أو تتحدث المرأة على أنها رجل وهكذا.. هذا إضافة إلى أن الشك في الآخر وعدم الثقة به يكونان سيد الموقف منذ بداية التعارف. العجب العجاب ماذا يحدث بعد ذلك ؟ يقول اسماعيل 26 عاماً:بعد ذلك يحدث العجب العجاب فمبجرد أن يبدأ الشباب بمحادثة الفتيات على سبيل المثال يبدأ بافراغ عقده ورغباته على شاشة الانترنت ويتمادى في الحديث عن أمور وأشياء هامشية وجانبية وفي كثير من الأحوال لا أخلاقية فإذا ما وجد الواحد منهم تجاوباً من قبل الفتيات يتمادى أكثر وقد ينزلق إلى أمور خارج إطار الحياء والأخلاق. ويتساءل إسماعيل: كيف يمكن أن نسمي ما يحدث هنا صداقة أو حتى علاقة أو تعارفاً أو شيئاً من هذا القبيل.. إن ما يحدث هو جريمة وانحلال بكل مافي الكلمة من معنى. كذبة كبيرة وبغرض ايضاح الصورة أكثر وأكثر.. يؤكد الأخ بدر «صاحب محل انترنت» ان ليس هناك أية قداسة لعلاقات الانترنت ويدلل على ذلك بأن من دوافع لجوء الجهات المختصة إلى منع إقامة الحواجز الداخلية في محلات الانترنت هو شعور المجتمع والدولة بأن هناك تجاوزات كثيرة تحدث وهو ما يؤكد أن أغلب علاقات التعارف إنما تهدف إلى الوقوع في المحظور وإقامة علاقات مشبوهة وسيئة .. ويزيد الأخ بدر بالقول: نادراً ما نسمع عن شخص أقام علاقة ناجحة مع شخص آخر عن طريق الانترنت حتى الزواج عن طريق الانترنت هو الآخر ليس الا مجرد كذبة كبيرة وكلام يتردد هنا وهناك. سلاح ذو حدين اذاً القول المأثور كلمة حق أريد بها باطل»، هو أصدق ما يتجلى في هذا الموضوع من خلال التأكيد على ضرورة افساح المجال لحرية الإعلام والتعبير والحصول على المعلومة دون مراعاة الجوانب السلبية التي ترافق عملية من هذا النوع فالوقوف أمام الانترنت هو وقوف بين الخير والشر، لأن الانترنت سلاح ذو حدين كما يؤكد ذلك الأخ حسين بامعروف «موظف ورب أسرة» إذ يرى انه من الضروري الاستفادة من تقنيات ومعطيات العصر لكن من الضروري في ذات الوقت حماية الشباب والأبناء من مخاطر الانترنت فالاباحية والدعوة إلى الجريمة والانحراف كثيراً ما ترافق عمليات التعارف والدردشة عبر الانترنت. خرق لكل الفضائل والأخلاق علينا الاعتراف اذاً أن الصداقة شيء والتعارف عن طريق الانترنت شيء آخر فالصداقة كما تراها أم اقبال «مدرسة» هي دعوة إلى الفضيلة والمعرفة والنجاح والمصلحة المشتركة بحيث لا تخرج الصداقة عن حدودها المتعارف عليها اجتماعياً وأخلاقياً بل وقد تكون زمالة أكثر من كونها صداقة حين يتعلق الأمر بالعلاقة بين الجنسين أما ما يحدث في الانترنت فهو تجاوز وخرق لكل هذه الفضائل والاخلاق بمعنى انها علاقات لا تقف عند حد ولا تهتم بالمعلومة والمعرفة فقط ،بل تمتد للتعبير وبوقاحة عن ملذات ورغبات مكبوتة وبأسلوب فج يؤدي في النهاية إلى موت هذه العلاقة وانحسارها.. وتضيف: لا أحد يستطيع أن ينكر ما يحدث عبر الانترنت من فضائح أو استهتار بالحرمات والأخلاق العامة ومع ذلك لابد من التوعية، لأن الذنب لا يقع على الانترنت كأجهزة وشبكات وانما على مستخدمي الانترنت كأشخاص وجماعات. حالة إدمان من زاوية نفسية ترى الأخت ابتهال علوان «اختصاصية نفسية» بأن الكثير من الشباب والشابات قد يصلون إلى حالة الإدمان على الانترنت من خلال الشعور بالرغبة الدائمة للوقوف أمام شاشات الانترنت وتقديم هذه الرغبة على ما عداها من متطلبات والتزامات أخرى عملية كانت أم اجتماعية .. ونؤكد على ضرورة توعية الابناء بفوائد الانترنت ومخاطره من جهة أخرى لأن محاولة حرمانهم من الانترنت قد يؤدي بهم إلى زيادة التمسك به ومن ثم الوصول إلى حالة الإدمان التي قد تأتي كرد فعل لما يواجهه الشخص من كبت وقيود مفروضة عليه من الأسرة أو المجتمع.. أما عن موضوع التعارف فتؤكد أنه حق من الحقوق الشخصية لكن مثل هكذا حرية تنتهي حين تبدأ حرية الآخرين.. ومن الطبيعي أن أي علاقة تنشأ بين طرفين سواء أكانت عن طريق الانترنت أم غيرها فإن خروجها عن آداب وأخلاقيات المجتمع يجعلها أقرب إلى السلوك الشاذ منه إلى السلوك القويم مما يعني أن هذا النوع من العلاقة إذا لم يتم التعامل معه بطريقة سليمة فإنه قد يتفاقم ويؤدي بالأشخاص إلى مزيدٍ من الشذوذ والانحراف. الحياء والإيمان مطلوبان ماهو الحل إذاً وماذا يتوجب علينا عمله؟ يقول الأستاذ خليل عبدالقادر «مرشد ديني» : ليس بأيدينا أن نغلق نوافذ الانترنت على أبنائنا وبناتنا ولكن بإمكاننا أن نقترب منهم ونتفهم حاجاتهم ومطالبهم وتوعيتهم بكيفية الاستخدام الأمثل لهذه النعمة العظيمة. ويرى الأستاذ خليل انه لكي يتحقق ذلك لابد من الحرص على تنشئة الأجيال تنشئة سليمة والتأكيد على أن أي تصرف أو سلوك يقوم به الإنسان رجلاً كان أم امرأة شاباً أو شابة.. إنما هو جزء لا يتجزأ من ثقافته وشخصيته وهو محاسب عليه أمام الله والناس. والإسلام كدين سماوي دعا إلى تعزيز الصداقة والأخوة واحترامها والحرص على مقابلة الإحسان بالإحسان وعلى ذلك لا مانع من إقامة الصداقات والعلاقات ولكن بالحدود الموضحة دينياً.. والتعارف عن طريق الانترنت هو علاقة قائمة بذاتها ولا غبار عليها وبإمكان الأشخاص استغلالها بغرض الحصول على العلم والمعرفة والحوار الجاد والبناء لكنها في حال خرجت عن الضوابط والآداب فإنها تتحول إلى سلوك يحاسب عليه الإنسان ويؤدي الى أضرار ومخاطر كثيرة وعليه ينبغي احترام خصوصيات الأفراد والمجتمعات والابتعاد عن كل ما يخدش الحياء والإيمان.