- استطلاع/خالد حسان علي في هذا الزمن.. الجميع يحسب للثانية الواحدة حسابها فالدقيقة الواحدة قد تكون كافية لإحداث انقلابات غير متوقعة في الحياة الشخصية والعائلية.. فلماذا في مجتمعنا اليمني لانجد الكثير من الأشخاص يحترمون الزمن أو يعيرونه انتباهاً؟ ماالذي حدث على وجه التحديد؟ وكيف يمكن أن نجعل علاقتنا بالزمن أكثر صدقاً وأكثر حضوراً؟ عادة متجذرة نبدأ بالأخ/شكري الصلوي الذي لم يعد يذكر على وجه التحديد أخر مرة ارتدى فيها ساعة يد والذي يؤكد أنه ليس الشخص الوحيد من بين جميع أصحابه ومعارفه الذي ليس معه ساعة..ويرى أن الأمر ليس ذابال وأنه لايمثل مشكلة أو معياراً لتأكيد علاقة الأشخاص بالزمن من حولهم فالآباء والأجداد على حد تعبيره لم يكن لديهم ساعات يد ولا ساعات حائطية ولم يكونوا يعرفون الزمن بالدقائق والثواني ورغم ذلك عاشوا أيامهم بكل ما في الكلمة من معنى..ويؤكد شكري أنه يعيش أيامه دون الحاجة إلى معرفة ما إذا كان الوقت صبحاً أو ظهراً أو حتى ليلاً فهو يعرف ماذا يريد وماذا يفعل ولديه جدول يومي لايحيد عنه إلا نادراً فهو ينهض باكراً لا لأن الساعة قد أصبحت تمام السادسة ولكن لأن أمه العجوز تعودت أن توقظه من منامه في مثل هذا الوقت وهو يصل إلى دكانه حوالي الثامنة لا لأنه حريص على ذلك ولكن لأنه بعد أن ينهض من منامه ويتناول طعام الإفطار وينتهى من ارتداء ملابسه يجد نفسه مجبراً على الذهاب إلى دكانه وهكذا يمضي أيامه يوماً بعد آخر حتى صار الأمر بالنسبة إليه عادة متجذرة ويضيف شكري بأنه لايشعر بأي فراغ ولا بأنه في جهة والزمن من حوله في جهة أخرى أما من ناحية المواعيد فهو يقول إنه نادراً مايخل بمواعيده والتزاماته تجاه الآخرين لظروف تكون خارجة عن إرادته أما هو شخصياً فهو حريص على الأستفادة من كل لحظة من لحظات عمره واستثمارها على الوجه الأمثل. بالبركة سليم عبدالملك «25 عاماً» عكس شكري تماماً فهو يمتلك في يده ساعة يد جميلة وغالية غير أنه يؤكد أنه نادراً مايلتفت إليها وفي أحايين كثيرة لايحدق فيها إلا حين يسأله أحدهم عن الوقت ويردف: لست موظفاً وليس لدي أية التزامات ولذلك فأنا أعيش حياتي على البركة يهمني إن كان الوقت فجراً أم ظهراً وعادة ما أخرج من البيت فأطلق أقدامي للريح تأخذني إلى حيث تريد.ويزيد..أشعر بفراغ كبير وبأنه ليس لدي هدف في الحياة ولذلك فالزمن عندي لايعني شيئاً ربما كنت أيام الدراسة أشعر بقيمة الوقت وكنت أشعر به أكثر أيام الامتحانات فالدقيقة الواحدة كانت لها أهمية وكان لها ثمن أما الآن فأنا لا أشعر بأي خسارة إذا ماقضيت أكثر من عشر ساعات يومياً في النوم أو بقيت مع أصدقائي لساعات متأخرة من الليل. أيام متشابهة وائل شرف «موزع» يرى أن الأيام كلها متشابهة فما أشبه اليوم بالبارحة غير أنه يجد نفسه مضطراً للالتزام بمواعيد العمل مخافة أن يجد نفسه يوماً ما بلا مصدر دخل ويضيف: لا أشعر بأي علاقة قائمة مع الزمن إلا بمقدار ماأشعر به من ربح وخسارة فأحرص على أن آتي التاجر الفلاني في الموعد المحدد حتى لايسبقني غيري إليه أما المواعيد الأخرى من خارج العمل فأنا نادراً ماالتزم بها وبخاصة إذا كانت على «الماشي» أو مع أشخاص لا خير يأتي من ورائهم. لا مواعيد محددة لا احترام للمواعيد إذاً ولا لزمن الذي يحسب من أعمارنا ورغم ذلك فإن فؤاد نعمان «مهندس معماري» حريص جداً على اقتناء الساعات الحائطية وهو يؤكد أنه يملك في منزله أكثر من عشر ساعات ساعتان في غرفة الاستقبال «الديوان» والبقية فيما تبقى من غرف لكنه يؤكد أيضاً أنه نادراً مايلتفت إلى أية ساعة من هذه الساعات لمعرفة الوقت وتنظيمه واستغلاله الاستغلال الأمثل فلا مواعيد محددة لديه للنوم ولا مواعيد محددة للاستيقاظ من النوم ولامواعيد محددة لتناول الغذاء وهكذا..أن اقتناء الساعات المعبرة عن الوقت شيء ومتابعة الأوقات والأستفادة منها شيء آخر عند «فؤاد» الذي يرى أن عدم الانتباه للوقت أو احترامه أو تنظيمه هي ظاهرة اجتماعية عامة حتى أنها موجودة ايضاً في بعض رحلات الطيران اليمني وفي كثير من رحلات النقل البري على المستوى الداخلي. خلط في الأيام جمال عبدالوهاب صاحب محل لبيع الكاسيتات يشير إلى أنه أكثر من مرة يتعرض لمواقف محرجة عندما يسأله أحد ما في أي يوم هم ويؤكد أنه بالفعل لايكون على علم في أي يوم من أيام الأسبوع يكون وأحياناً يحاول أن يبدو واثقاً من نفسه فيقول إنه يوم أحد فيما يكون يوم سبت وهكذا..ويضيف: إذا كنت أنا لا أعرف في أي يوم أكون فمن غير المستبعد أن يكون هناك الكثير غيري ممن لايعرفون في أي يوم من أيام الأسبوع يكونون!! فما بالك بمعرفة في أي ساعة دخل الشخص إلى البيت أو في أي ساعة خرج مادام أن الواحد منا قد لايتذكر ماذا أكل صباحاً !! خارج حدود الزمن إذاً نحن في زمن قد ينسى المرء فيه اسمه ولذلك فمن غير المستغرب أن نجد الكثيرين لايعرفون في أي فصل من فصول السنة يكونون وإذا حدث وتأكد للشخص أنه في فصل الشتاء مثلاً فإنه لن يكون مدركاً على وجه التحديد متى بدأ فصل الشتاء هذا ومتى سينتهي..ويوضح شهاب عبدالمولى «مدرس» أن الأوروبيين على سبيل المثال لايغفلون الاحتفال بالمواسم والفصول فهم يعرفون متى يبدأ الربيع ويحتفلون بذلك ويعرفون متى يدخل الخريف ويعدون له عدته وحتى في بقية المناسبات كيوم الأم ويوم الشجرة وعيدالحب وهكذا..ونفس الأمر فيما يتعلق بأعياد الميلاد وأعياد الزواج وحتى في مناسبات كالإجازة الصيفية للطلاب والعطل والاجازات الرسمية ولذلك فهم حريصون على استغلالها على أكمل وجه..ويكفي أن نعرف انهم مهتمون جداً بالمواعيد التي يقطعونها على أنفسهم أما عندنا فالأمر مختلف تماماً فنحن لانلقي بالاً لمثل هذه الأمور وحتى المواعيد نادراً مانفي بها وكثيراً مانخلف مواعيد تكون في غاية الأهمية ونبحث عن حجج وشماعات نعلق عليها تقصيرنا وإهمالنا والحقيقة انه كان ينبغي أن نكون القدوة في هذا الأمر ونضرب للآخرين المثل الأعلى في كيفية الاستفادة من الوقت والوفاء بالمواعيد والعهود التي نقطعها على أنفسنا. أبواب مؤصدة لماذا إذاً لانهتم بالوقت ولانعير له بالاً؟ يقول الأخ قاسم الفضلي موظف نحن لانهتم بالوقت لأننا نعيش أيامنا في دائرة مفرغة فنحن لانعرف ماذا نريد من الحياة ولا حتى ماذا تريد الحياة منا..اننا نعيش لنأكل هذا كل مانؤمن به وإذا حدث ورغبنا في تنظيم الوقت واستغلاله فإن نجد الف حجر عثرة تقف في طريقنا فلا شيء يشجع الشخص على استثمار الوقت لا في العلم والمعرفة ولا في العمل والنجاح فالكتب منعدمة وغالية الثمن وليست هناك مكتبات عامة مناسبة وبالمقابل ليست هناك فرص عمل ولامجالات تشجع على الابتكار والابداع..ان الأبواب موصدة في وجوه الكثيرين ولذلك استسلموا لليأس وعاشوا لمجرد العيش وبانتظار النهاية المحتومة. عادات وتقاليد العادات والتقاليد هي في معظمها بحسب الأخ/أياد عبدالله «خريج جامعي» لاتحترم الوقت فمجالس القات على سبيل المثال تأخذ من الأشخاص مايقارب نصف أعمارهم وبالمقابل لاتعطيهم شيئاً غير القيل والقال وغير الخيبة والندم كذلك غلاء المهور هو إلآخر يجعل الشباب يضيعون سنوات طويلة بحثاً عن المال لمجرد إرضاء طمع وجشع ولي أمر العروس وقائمة طلباته التي تقصم الظهر إضافة إلى عادات اجتماعية أخرى تحرم على المرأة الخروج إلى ميدان العمل والإنتاج والبقاء طوال العمر حبيسة داخل أربعة جدران وبظهور الفضائيات وشبكات الانترنت صار الكثير من الشباب يقضون أوقاتهم بحثاً عن المتعة بعيداً عن أي استفادة حقيقية. الوعي مسألة هامة لابد إذاً من العمل على انشاء جيل واعٍ بأهمية الوقت فغياب الوعي هو ايضاً بحسب الأخ/عبدالله عبدالوهاب تربوي عامل هام في غياب الاحساس بالزمن وبأهميته ويؤكد الأخ/عبدالله أنه يجب على الأسرة والمدرسة ومختلف مؤسسات المجتمع المهتمة بصناعة الوعي وتوجيه الرأي العام العمل جنباً إلى جنب لغرس القيم النبيلة المرتبطة بالوقت باعتباره العنصر الحاسم في ترجمة النجاحات والتطلعات وتحقيق التقدم والرقي فالطالب الذي ينشأ في أسرة لاتعير أي اهتمام بالوقت بالتأكيد سيكبد وهو على نفس الشاكلة ممايعني هنا ضرورة أن تتخذ الأسر مجموعة من الخطوات العملية لتعويد الأبناء على تنظيم أوقاتهم والاستفادة من كل لحظة من لحظات حياتهم فبإمكان الأسرة أن تعود أبناءها على مواعيد محددة للنوم ومواعيد للأكل ومواعيد للعب ومواعيد لزيارة الأهل والأقارب وتحرص على أن تكون القدوة في ذلك كما ينبغي على المدرسة وتحديداً على المدرسين تشجيع الطلاب على استثمار الوقت وتنمية وعيهم في هذا الجانب والحرص الدائم على إبراز القيم الداعية إلى غرس الأمل والطموح في نفوس الأبناء ليتمكنوا من صنع النجاح عبر استغلال الوقت على الوجه الأكمل كما أن هناك قيماً هامة ينبغي التركيز عليها ومن بينها احترام المواعيد حتى تتعزز المصداقية بين الطالب وذاته وبينه وبين الآخرين ومن الضروري القول أيضاً أنه على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة تقع مسئولية كبيرة في نشر الوعي بين الناس بأهمية الوقت وبضرورة تنظيمة والاستفادة منه على الوجه المطلوب. ثروة عظيمة دينياً يوضح الشيخ/مصطفى عبدالرحمن «رجل دين» أن الإسلام أكد وبوضوح أهمية الوقت ودعا المسلم إلى استغلاله الاستغلال الحسن بل وربط كل ذلك بالثواب والعقاب وفي الحديث الشريف يسأل المرء عن أربع.. ومن ضمنها عن عمره فيما أفناه وفي حديث آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم اغتنموا خمساً قبل خمس» ومن ضمن هذه الخمس كما بينها الرسول الأكرم «شبابك قبل هرمك» وعلى ذلك ينبغي على الجميع الحرص على استغلال الأوقات والمتاجرة مع الله عزوجل فيها على ماهو مبين وبما لايخالف أوامر الدين ونواهيه فمعرفة أوقات الصلاة والحفاظ عليها هي من صميم الدين وكذلك الأمر فيما يتعلق بالصيام والزكاة والحج ومن هنا كان لزاماً على الآباء تربية أبنائهم على تنظيم الأوقات واستغلالها فيما ينفع لا فيما يضر وكما يقال.. الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وانما عمر الإنسان على وجه الأرض ماهو إلا دقائق وثوانٍ وساعات يعيشها الإنسان بقدر مايستغلها في طاعة الله وعمل الخيرات والصبر على المكاره..والمؤمن الكيس الفطن هو الذي يعرف أن العمر هو هبة الله للإنسان وأنه الثروة العظيمة التي ينبغي عدم هدرها فيما لايسمن ولايغني من جوع.