وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    بعد هجوم حوثي بصاروخ باليستي وطيران مسير.. إعلان عسكري أمريكية عن عملية مدمرة    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    دي زيربي يجهل مستقبل انسو فاتي في برايتون    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة موسيقية
من الغناء اليمني :
نشر في الجمهورية يوم 27 - 02 - 2007


عبدالقادر قائد :
الحلقة الأولى
الصورة من كتاب شعر الغناء الصنعاني للدكتور/محمد عبده غانم
الموشح الغنائي اليمني المعروف بالأغنية الصنعانية
«مميزات هامة»
تختلف ألحان الموشح الغنائي اليمني المعروف بالأغنية الصنعانية عن سائر الألحان التراثية في البلاد العربية جميعاً،ذلك أن تراكيبها الموسيقية المكونة لجملها اللحنية المبنية على موازين إيقاعية لرقصات شعبية ومقامات موسيقية بنفحة محلية تنفرد بها اليمن دون غيرها جعلت منها ألحاناً مميزة راقية المستوى وأضفت عليها نكهة يمنية خاصة.
للأغنية الصنعانية مميزات هامة أولها أنها تبدأ باستهلال موسيقي يسمى الفرتاش.
والفرتاش هو نوع خاص من التقاسيم تنفرد بها الموسيقى اليمنية التقليدية «الصنعانية» وهي عبارة عن استهلال أو مقدمة يبدأ بها المطرب وصلته الغنائية ومن المرجح هنا أن يكون المعنى لكلمة فرتاش هو التفتيش أي إظهار المهارة فنقول فرتش في العود فرتاشاً أي أظهر مهاراته من خلال عزفه لأجمل الأنغام والجمل الموسيقية المختارة والمستوحاة من روح وأصالة الغناء اليمني القديم.
وتدل تقاسيم الفرتاش على براعة ومقدرة عازفها وخبرته بها وحُسن تصرفه في طرائقها وانتقاله من نغمة إلى أخرى،أي أنها تتخذ مقياساً للبراعة وطول الباع في العزف والإطلاع على الألحان الكثيرة.
يتقن كل هذا ويجيده ذلك العازف الذي تمكن من فنه وتمرس في عزف جميع ألوان الغناء اليمني والتمتع بمزايا الموهبة والاستعداد والرشاقة،وتقاسيم الفرتاش الصنعاني مثلها مثل التقاسيم في الموسيقى العربية غالباً ما تكون «سائبة»كما يسمونها أي بدون ميزان (Adlibitone) تتخللها جملة موسيقية موزونة بميزان( 6 8)«إيقاع سارع».
والفرتاش أشبه ما يكون بقطعة موسيقية متكاملة ذات قواعد وجمل لحنية مرتبة لايجوز تقديم جملة عن الأخرى،ومهما تكرر عزف الفرتاش فإن هذا الترتيب لايجوز الإخلال به ولا يمكن أن نطلق عليه تقاسيم «بنت الساعة» .
كما يطلق عند التكرار على التقاسيم المألوفة في البلاد العربية الأخرى،وقد جرت العادة أن يستهل المطرب وصلته الغنائية بالفرتاش راسماً في قالب موسيقي جميل صورة تمهيدية واضحة للون من ألوان الغناء اليمني المميز.
وتشبه تقاسيم الفرتاش في مداتها ونبراتها وطابعها وأسلوبها الغناء أو ترانيم البلبلة مثل «بل بل بلي بالي» ويمكن أن نجد المثال على ذلك في الأغنية التي مطلعها:
صادت فؤادي بالعيون الملاح.
أو ترانيم الملالاه مثل «ألا لا لا لا لي للي لا لا» ويمكن أن نجد المثال على ذلك في الأغنية التي مطلعها.
رسولي قوم بلغ لي إشارة
أو ترانيم الدندنة مثل «ليل دان ياليل دان ياليل دان » ويمكن أن نجد المثال على ذلك في الأغنية التي مطلعها.
حوى الغنج والتفتير والسحر أحومه
وميزة أخرى للأغنية الصنعانية نجدها في المدى المحدود من الأنغام الموسيقية التي يمكن أن يعزف بها على العود،ويمكن استنتاج ذلك من أن معظم الأغاني الصنعانية إن لم نقل جميعها،من الممكن عزفها على الأوتار الثلاثة الأولى للعود في مدى إحدى عشرة نغمة من الأنغام الخمسة عشر التي يمكن الحصول عليها عادة من الأوكتافين الإثنين في العود ذي الخمسة الأوتار،لذلك كان العود المحلي الصنع ذو الأوتار الأربعة يكفي لأداء هذه الأغاني.
وكان العازفون للموسيقى الصنعانية يتخذون مع آلة العود «القنبوس» آلة من النحاس تشبه الدف في شكلها وتسمى الصحن وطبلاً يدوياً صغيراً إسمه المرواس ولم يدخل التجديد على آلة الطرب المستعملة في الموسيقى الصنعانية إلا في الأيام الأخيرة ويظهر هذا التجديد في الاستعاضة عن العود ذي الأوتار الأربعة والبطن المغشاة بالرق بالعود ذي الأوتار الخمسة والبطن المغشاة بالخشب وعن الصحن بالدف،وعن المرواس بالدربوكة وقد تضاف الكمنجة أحياناً إلى هذه الآلات الجديدة.
المرآة في العود الصنعاني
وفي إبان حكم قريش لمكة صار سوقها سوق عكاظ وكعبتها شيئاً أشبه بمراكز الاجتماعات الشعبية للبقاع المجاورة، واشتهر ذكر القيان في تلك الأيام وهن الفتيات المغنيات اللاتي لم يكن يعدم وجودهن في أي بيت رفيع العماد من بيوت العرب،ومن آلات الطرب الشائعة في ذلك الزمن المزهر ذو الأوتار الأربعة والبطن المغشاة بالجلد الذي ظل في جنوب الجزيرة العربية حتى عهد قريب محتفظاً بمكانته القديمة وإن لم يحتفظ باسمه حيث صار يُعرف بآلة القنبوس أو العود الصنعاني،ويلاحظ وجود مرآة في أعلى مفاتيح شد الأوتار والأرجح أنها قد وضعت في هذا المكان لتقابل وجه القينة أثناء العزف والغناء وتساعدها في التأكد من إكتمال زينتها وإصلاح ما فسد منها وهذه المرآة قد صارت جزءاً مهماً من أجزاء العود حتى يومنا هذا وهذه ميزة يتميز بها العود الصنعاني القديم عن آلات العود في البلدان العربية الأخرى.
لقد ظل العود الصنعاني ذو الأوتار الأربعة هو الآلة المستعملة في اليمن حتى بعد الحلقة الثانية من القرن الهجري الماضي «الرابع عشر» وكان الشيخ علي أبوبكر باشراحيل والشيخ قاسم الأخفش يعزفان بها حتى أواخر أيامهما.
وفي الندوة العلمية الأولى للموسيقى اليمنية المنعقدة من 27 إلى 29إبريل 1997م صنعاء،قدم الباحث اليمني عامر عثمان مسؤول متحف الآلات الموسيقية اليمنية بالمركز الثقافي الصحي الذي يرأسه الدكتور نزار غانم بحثاً عن آلة العود اليمني القديم«القنبوس» تحدث فيه عن تاريخ هذه الأمة،ثم بعد ذلك استعرضها في نماذج مختلفة مع تحديد زمن صناعتها والمواد المستخدمة في ذلك،بعدها شاهدنا عملية فصلها إلى جزئين فبدت لنا مقطعة الأوصال يسهل حملها واخفائها عن الناظرين حينما كان المطرب ملاحقاً من قبل الحكام بحجة تحريم الموسيقى والغناء.
أما عن وجود المرآة على هذه الآلة يقول الأخ/عامر:
لقد استغل المطربون في عهود تحريم الغناء وجود المرآة على آلة العود،فكان المطرب أثناء العزف والغناء يجلس في زاوية تسمح له برؤية الباب من خلال المرآة التي تعكس ما خلفه،فيظل مراقباً له عند الدخول والخروج وعندما يشعر أنه مراقب وأصبح في خطر فإنه يلف عوده وأحياناً يتركه ويلوذ بالفرار خوفاً من المداهمة والاعتقال.
مما سبق يتضح لنا أن الفائدة من وجود المرآة على العود واستخدامها يختلف من عصر إلى آخر حسب ما تقتضيه الحاجة.
لقد أصبحت آلة العود اليمنية «القنبوس أو الطربي»مهددة بالإنقراض والضياع،فمنذ أن هجرها المطربون واستبدلوها بآلة العود العربية لم نعد نراها إلا في المتاحف الوطنية أوعند بعض الأفراد الذين مازالوا يحتفظون بها في منازلهم ويعتبرونها قطعة أثرية ليس إلا،لهذا يجب علينا العمل على بعثها وإحياء استخدامها حفاظاً عليها من الاندثار وسعياً لإضافة آلة وترية نادرة ذات طابع فريد إلى الآلات الوترية المستخدمة في اليمن والوطن العربي،وضرورة المحافظة على الآلات الموسيقية الوطنية ومناشدة الجهات المعنية بتوجيه عنايتها إلى تشجيع العزف على هذه الآلات والاهتمام بتدريسها في المعاهد الموسيقية والعمل على فتح ورش خاصة وتشجيع الموهوبين للإنخراط في هذه الورش والتدرب على طريقة صنع آلة العود القديم حسب مواصفاتها ومميزاتها والقيام بترميم الآلات القديمة وصيانتها،وبذلك نضمن بقائها والحفاظ عليها لتكون رمزاً حياً يعكس أصالة تراثنا وشموخ موسيقانا اليمنية.
ومن المميزات التي ينفرد بها الغناء الصنعاني ما يضاف إلى أول البيت من كلمة «ألا» في بعض الأحيان وما يضاف في كثير من الأحيان إلى آخر البيت أو الفقرة من مقاطع «با» و«لا» و«بل» و«بلي» و«بالي» لتؤلف نمطاً :بل بالا بالا بلي بل بلي بال مضافاً إليه عبارة آه وادمعي الغزير.
وفي بعض الأغاني تدرج مقاطع أو كلمات مثل «يا» و«ليل» و«دان» لتكون نمطاً مثل: ليل دان ياليل دان ليل دان ياليل دان مضافاً إليه عبارة:الله لطيف.
يمكن أن نجد المثال على ذلك في الأغنية التي مطلعها حوى الغنج والتفتير والسحر أحومه والتي غناها محمد سعد عبدالله. ودونت في هذا الكتاب،وكذا في أغنية طرب سجوعه.
وعندما نتمعن في طريقة الغناء للموشح في اليمن نجد في هذه الطريقة تطابقاً في الموشح العربي في الأندلس من حيث إدخال ألفاظ«الترنم» أمثال كلمات:بل بل بلي بالا أو ليل دان ياليل دان ياليل دان .
أو الآهات المتكسرة التي تأتي وسط الغناء أو آخره في الموشح اليمني،وغيره من «الترنيمات» التي لوقمنا برصدها كما تلفظ غناءً لوجد القارئ في اليمن قبل القارئ العربي كما يقول المرشدي في كتابه الغناء اليمني القديم ومشاهيره صعوبة في قراءتها أو التلفظ بها أمثال كلمات:يالالا يالاللي آه ياعيني وغيرها من «الترنيمات» الموجودة في الموشح الاندلسي.
يقول الشاعر أحمد بومهدي في ذلك:« وهناك ميزة للأغنية الصنعانية أو نستطيع بكل تأكيد أن نطلق عليها الموشحة اليمنية لأن بعض الأغاني أخذت جميع مواصفات الموشح من ناحية البيت والتوشيح والتقفيل ولأهمية الموضوع نود أن نورد هذه التعريفات:
أ البيت:هو القطعة الأولى من القصيدة وتختلف أحياناً أبياته في القلة والكثرة...بحسب إرادة وقدرة الشاعر أو المؤلف.
ب التوشيح: هو الأبيات التي تلي القطعة الأولى من القصيدة ويكون مختلفاً عنها تماماً في الوزن والقافية.
ج التقفيل: هو البيت الذي يأتي بعد التوشيح مطابقاً الأول في القصيدة في رويه ووزنه ،إلا أنه يكون بيتين مثل التقفيل الذي في أغنية حوى الغنج عندما يقول:
وبالطلح والمرجان والشهد مبسمه
وبالظبي جيده والتفاته وملزمه
أماالفنان جابر علي أحمد فيقول:«ربما من الجائز الإفتراض بأن الموشحات اليمنية إعتمدت في تكوينها من بين ما اعتمدت عليه الأصول الغنائية الشعبية في المرتفعات الجبلية ،ولعل هذا يتضح من خلال العلاقة البارزة بين موازين الأغاني الشعبية في هذه المناطق والتراكيب الضروبية لهذه الموشحات هذا فضلاً عن الوشائج الواضحة لغوياً وعروضياً بين شعر الموشحات اليمنية والشعر الشعبي لأبناء هذه المناطق.
ويضيف قائلاً: ومما يلقي مزيداً من الضوء على هذه السمة أن ضروب الموشحات اليمنية هي نفسها تلك الموازين المنظمة للرقص الشعبي في مناطق المرتفعات الجبلية».
ويتميز الموشح الغنائي اليمني وفي كل جزء من أجزائه باختلاف في الموازين الإيقاعية والصياغة اللحنية ومقاميتها،وهذا الاختلاف غالباً ما يكون بين البيت والتوشيح ونلاحظ هذا في قصيدة«طرب سجوعه» التي جاء فيها البيت مصاغاً على مقام السوزناك وعلى الطريقة اليمنية أما التوشيح فقد جاءت صياغته على جنس عراق مع استخدام ميزان إيقاع الدسعة الصغيرة في كل منهما.
وفي مثال آخر نلاحظ الإختلاف في الموازين الإيقاعية والصياغة اللحنية ومقاميتها في البيت والتوشيح كما في موشح «يقرب الله» حيث جاء البيت مصاغاً على مقام حجاز اليمن وعلى ميزان إيقاع الوسطى وصيغ التوشيح على مقام الحسيني على درجة الدوكاه وعلى ميزان إيقاع الدسعة الصغيرة ونلاحظ أيضاً تطابقاً في المقامية وميزان الإيقاع بين كل من البيت والتقفيل ممايساعد على الإنتقال والعودة إلى البيت بكل يسر وسهولة بعد الانتهاء من التقفيل.
وفي مثال آخر نلاحظ الاختلاف في الموازين الإيقاعية والصياغة اللحنية ومقاميتها في البيت والتوشيح في موشح «حوى الغنج» حيث جاء البيت مصاغاً على مقام حجاز اليمن وعلى ميزان إيقاع الوسطى وصيغ التوشيح على جنس بيات على درجة النوى وعلى ميزان إيقاع السارع.
أما المقامية في لحن التقفيل فإنها تتطابق مع المقامية في لحن التوشيح مع استخدام ميزان إيقاع البيت «الوسطى» ثم العودة تدريجياً في نهاية التقفيل إلى المقامية المستخدمة في البيت في إشارة إلى قرب انتهاء الموشح وتمهيداً للعودة إلى بدايته من جديد.
وهناك الكثير من القصائد التي ينطبق عليها هذا الاختلاف في الموازين الإيقاعية والصياغة اللحنية ومقاميتها وفي كل جزء من أجزائها «البيت التوشيح التقفيل» وماأوردناه لم يكن إلا مثالاً على ذلك.
وهناك أمثلة أخرى لقصائد صيغت ألحانها في مقامية واحدة بحيث جاءت الصياغة اللحنية للبيت والتوشيح مشتركة في المقامية أما الموازين الإيقاعية فإن للبيت ميزان إيقاع يختلف عن ميزان الإيقاع في التوشيح، مثال على ذلك قصيدة «لله مايحويه هذا المقام» وقصيدة «وانسيم السحر».
ولو قمنا بتحليل صياغة الجُمل اللحنية في الغناء اليمني القديم لوجدنا أنها تخضع لنوع الميزان وطريقة توقيعه حيث أن الكثير من الأشكال الايقاعية نراها وقد ألبست نغماً وصارت جُملاً لحنية أو لحناً كاملاً في أغنية معينة، وكل هذا من روح وتوقيع ميزان الإيقاع المصاغ فيه اللحن لهذه الأغنية أو تلك.
وهذه التوقيعات إنما هي اللحن بذاته تتكرر في جمله اللحنية بأشكال مختلفة كما يفعل ضارب الإيقاع المُجيد الذي يقوم بتلوين الإيقاع وإدخال بعض الزخارف عليه وتكراره بطريقة لايملها السامع كما نرى في بعض النماذج الإيقاعية المرسومة في ميزان إيقاع الوسطى4/4 وفي جملته الإيقاعية اللحنية التي هي تمهيد لبداية اللحن والدخول فيه، ونرى بأنها إيقاعية ألبست نغماً لتصبح ميزة تتميز بها الموسيقى اليمنية.
أنظر أغنية «وانسيم السحر» في وسطها ثم قارن ذلك بإيقاع الوسطى بنماذجه المختلفة المرسومة وهذا ينطبق على كل الألحان المصاغة على ميزان هذا الإيقاع، ولو تتبعنا صياغة الألحان التي تحمل ميزان إيقاع 8/11 والتي سنستعرض منها الكثير سنجد أنها تشكلت من توقيعات زمنية متنوعة لأصل هذا الإيقاع كما في رسمنا له وبنماذج متنوعة هي الأساس في بناء الجمل اللحنية وفي ماذهبنا إليه.
ü انظر رسم ميزان إيقاع 8/11 بنماذجه المختلفة وقارنها بالجمل اللحنية المصاغة في الألحان المبنية على ميزان هذا الإيقاع.
«وإذا تحدثنا عن عمر الأغنية الصنعانية والزمن الذي ظهرت فيه فيمكن الاستدلال عليه من زمن أقدم قصيدة نظمت من القصائد التي استعملت في الغناء الصنعاني كما جاء في كتاب الدكتور/ محمد عبده غانم، «شعر الغناء الصنعاني» وهي القصيدة المنسوبة إلى ابن سناء الملك «ت.1414م».
أما إذا تشككنا في صحة نسبة هذه القصيدة إلى ابن سناء الملك، فمن زمن القصيدة التي نظمها كمال الدين ابن النبيه «ت.1222م» ولايعني ذلك بالضرورة أن أقدم الأغاني تضارع في القدم إحدى هاتين القصيدتين، بل كل مايمكن أن يتوصل إليه بصورة سلبية أن هذه الأغاني لايمكن أن تكون أقدم من قصيدة ابن سناء الملك أو على الأقل من قصيدة ابن النبيه ولانستطيع أن نكون أكثر إيجابية في حكمنا حتى نصل إلى أيام/محمد بن عبدالله بن شرف الدين حيث نجد أن قصيدة من قصائده قد غنّت في صنعاء على افتراض أنها أصحبت بذلك جزءاً من تراث الغناء الصنعاني كما نعرفه اليوم، ولما كان ابن شرف الدين قد جاء بعد ابن فليته والمزاح، ولما كان الواضح أنه قد قلد أسلوبهما في النظم فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا التراث قد يعود في نشأته إلى أواسط أو أواخر العصر الرسولي.
أما قصيدة ابن سناء الملك أو قصيدة ابن النبيه، وأن كانت قد ظهرت في العصر الأيوبي، فإنها لاتكفي دليلاً على أن تراث الغناء الصنعاني بدأ في المدة القصيرة التي استغرقها الاحتلال الأيوبي بل لابد من تفضيل الأدلة التي تشير إلى أن الغناء ربما بدأ في أواسط أو أواخر العصر الرسولي، ومع ذلك فإن تراث الغناء الصنعاني حتى بهذا التقدير المحافظ يمتد خمسة قرون».
ونتيجة للتعصب الديني والاجتماعي ضد الموسيقى والغناء آنذاك والذي بلغ ذروته في الأيام التي حكم اليمن فيها الإمام يحيى وابنه أحمد لم يكن أي عازف يجرؤ أن يمارس فنه بالمفتوح، ولايستثنى من ذلك إلا العازفون المتجولون المعروفين بالمداحين الذين كانوا ومايزالون يغنون على نقر الطارات أبياتاً من نظم «البرعي» و«جابر رزق» ومن ألوان الغناء الذي حاربه رجال المذهب الزيدي المتزمتون مايجري مجرى الأناشيد والترانيم التي يغنيها في حلقات الذكر أتباع الطرق الصوفية مصحوبة بالعزف والرقص.
يقول الحاج العزي سعيد يسر كما ورد في كتاب الغناء اليمني القديم ومشاهيره للمرشدي والذي عايش هذه الفترة في حياة الشعب اليمني أن من وجد متلبساً بالغناء يعاقب بالسجن وأن المطرب «مدنس» لايجالسه أحد، ولايتحدث إليه أحد، ولايسير معه أحد، وإذا تصادف مواجهة المطرب في السوق أو الشارع بأحد من أصدقائه أو محبيه يتبادل المطرب التحية معهم بالإشارة، وإذا رغب أصدقاء المطرب بدعوته للغناء فإن هذه الرغبة لن تتم إلا إذا وجده أحدهم بالصدفة في الحمام، ويتبادل مع المطرب الإشارة المتفق عليها، ويتم اللقاء في المكان المقرر بحيث يكون الدخول إلى المكان بأسلوب الخلايا السرية التي تمارس نشاطاً سياسياً بعيداً عن عيون السلطة ويضيف الشيخ/قاسم الأخفش فيصف هذه المعاناة قائلاً: كنت ألف العود ببطانية فأشعر وكأني أسير في اتجاه الرادع أدخل إلى الناس في ظلمه وأغني في ظلمه، وأخرج إلى منزلي في ظلمه.
أما المنشدون الصوفيون فقد حلوا محل المطربين في إحياء الأفراح كالزواج وغيره من العادات المحلية التي تتطلب وجود الغناء، فكانوا يوقعون أناشيدهم على الإيقاعات أو بدونها، واستغلوا تسامح السلطة لممارسة فنهم فكانوا يمزجون أناشيدهم الصوفية التي تغنى عادةً بصوت منفرد ولها لازمة يبدأ بها المغني في أول الأغنية ويرددها «الكورس» في آخر كل بيت أو فقرة بألحان معروفة من الموشح الغنائي اليمني المعروف بالأغنية الصنعانية ومعظم هذه الأناشيد والأغاني حمينية النظم، ويرجع الدكتور/ محمد عبده غانم الفضل في إدخال هذه الأغاني على مجموعة الأغاني الصنعانية إلى المرحوم الشيخ/ابراهيم محمد الماس وكان عازفاً ومغنياً معروفاً بأدائه للغناء الصنعاني وعزف ألحانه على أسطوانات رُسمت عليها عبارة «صنعاني» ويمكننا أن نجد مثلاً جيداً على هذا في الأغاني المسجلة بصوت الشيخ على أسطوانات «أو ديون» وهي «فرج الهم ياكاشف الغم» «ودع ماسوى الله واسأل».
في ذلك الوقت كانت عدن والجزء الجنوبي من الوطن ملجأً وملاذاً لكثير من المطربين الفارين من ملاحقة أسرة آل حميد الدين ومنهم المطرب الشيخ/محمد الماس والد المطرب إبراهيم محمد الماس، الذي ينحدر من شبام في كوكبان شمال بلاد اليمن حيث كان يمارس الغناء ونتيجة لما كان يلاقيه من مضايقات بسبب تحريم الغناء فإنه اضطر للانتقال إلى عدن مع أسرته حيث جعل من منزله ملتقى لعقد جلسات الطرب مع زملائه أمثال الشيخ/محمد العطاب، الذي كان يفد إلى عدن بين الحين والآخر حاملاً في جعبته الكثير والمتنوع من الأغاني اليمنية القديمة.
وللأغنية الصنعانية مجال واسع جداً يتخطى الحدود الإقليمية والسياسية ومنذ ستين عاماً مضت كانت العادة المتبعة في عدن ولازالت إلى يومنا هذا تقضي بأن تبدأ الوصلات الغنائية في الأعراس وحفلات القات بالأغنية الصنعانية فقد كانت الأغاني الأخرى يومئذ تعتبر في الدرجة الثانية والثالثة فهي إذن غير جديرة بعشاق الفن الرفيع، والواقع أن الموسيقى الصنعانية كانت يومئذ محاطة بهالة من الاستعلاء قابلها الجيل الجديد يقول الدكتور/محمد عبده غانم برد فعل اتخذ شكل الاهتمام بالأغاني المجلوبة.
فلم تلبث الأوساط العربية أن زخرت بهذه الأغاني المجلوبة ولاسيما المصرية والهندية منها والتي أكسبتها الأفلام التي كانت تعرض في دور السينما رواجاً شعبياً.
أما شركات الأسطوانات الإحتكارية المنتشرة في عدن حينذاك فقد أسهمت في الحفاظ على تراثنا الغنائي القديم، فبقدر ماكانت تستغل جهود المطربين مقابل مبالغ زهيدة بقدر ماكانت تعمل على توثيق هذا التراث وتسجيله على اسطوانات من غير أن يكون ذلك هدفها الحقيقي نظراً لتفكيرها في الربح لاغير، مثل شركات أو ديون، طه فون، جعفر فون وشركة التاج العدني.
لقد تحمل المطربون في عدن التي لم يكن الغناء فيها محرماً مسؤولية الحفاظ على التراث الغنائي القديم ونشره بشتى الطرق، ولولا وجود الغناء الصنعاني في عدن وغيرها من المناطق التي لم تكن خاضعة لحكم آل حميد الدين لتلاشى ذلك التراث الذي انحدر إلينا من عصر الإمام شرف الدين «ت 965ه 1557م» وربما قبله «كما جاء في شعر الغناء الصنعاني للدكتور/محمد عبده غانم».
وفي ندوة الموشح اليمني التي نظمتها وزارة الثقافة والسياحة والمنعقدة في عدن بتاريخ 28/نوفمبر 1994م «مكتبة صوتية أحمد بو مهدي» أشار الأستاذ الكبير/عبدالله البردوني إلى دور عدن في الحفاظ على التراث الغنائي القديم حيث قال:«إن أي متابع للفنون سوف يسجل لعدن آية الاحتفاظ لأنها أول من سجلت الأغاني اليمنية في آخر الثلاثينات والأربعينات ولولا التسجيلات التي كانت تُسجل هنا في عدن ماسمعنا مثل «من سب أهيف» و«نسيم الصبا» ولا مثل «وامغرد بوادي الدور»، هذه التسجيلات في الحقيقة شكلت احتفاظها بالتراث».
واليوم في رأينا فإن الأغنية الصنعانية قد خرجت إلى المستوى الاقليمي والعربي وذلك بفضل الكثير من المطربين اليمنيين أمثال: المطرب أبو بكر سالم بلفقيه، عبدالرحمن الحداد، أحمد فتحي، محمد سعد عبدالله، محمد مرشد ناجي، فيصل علوي، أيوب طارش وغيرهم، الذين قاموا بتهذيب وتشذيب الكثير منها وإعدادها وتقديمها من خلال الفرق الموسيقية العربية، وأدخلوا عليها المقدمات الموسيقية وأثروها باللزمات وملء الفراغات الزمنية وأعطوا الآلات اليمنية التقليدية الدور الرئيسي في تنفيذها كالعود مثلاً وإظهار الطريقة اليمنية التقليدية في الأداء والأسلوب والمحاففظة على اللون اليمني وروحه ونكهته من خلال استخدام تقاسيم الفرتاش ذات النغم اليمني المميز، وكذلك الاستعانة ببعض ضاربي الإيقاع اليمنيين لإظهار الإيقاع اليمني الصحيح بأنواعه المختلفة.
إن مساهمة هؤلاء المطربين وغيرهم في نشر الأغنية اليمنية بألوانها المختلفة والتعريف بها في الخارج سوف يسهم في الحفاظ على تراثنا الغنائي وفي أن يحتل مكانة مرموقة ومتقدمة ويخلق نوعاً من التنافس الشريف بين مختلف الفنون على المستويين العربي والعالمي وفي النهاية سوف يضع حداً لما يحصل هذه الأيام عند البعض ممن قد تأثر بالألوان الغنائية اليمنية وأخذ ينهل من معينها دون مراعاة لذكر المصدر أو نسبها إلى أصحابها الحقيقيين، ونحن لاننكر أنهم بهذا إنما يسهمون في نشر الأغنية اليمنية بشكل أو بآخر لما لهذا الفن من أصالة وشهرة ونجاح، لكننا نقول لكل من استهواه الغناء اليمني لابأس من اغتراف ماهو مفيد وناجح ومشرف بشرط الإشارة إلى أصحابه الحقيقيين لضمان حقوقهم المادية والمعنوية والحفاظ على هوية الغناء اليمني، ونقدر تقديراً عالياً جهود القناة الفضائية اليمنية ونطالبها بالمزيد من العمل وإعطاء هذا الجانب أهمية خاصة ونطالب أيضاً الجهات المعنية في وزارتي الثقافة والإعلام سن قانون يحمي الإبداع اليمني وأصحابه ويقاضي كل من يتجرأ وينسب لنفسه أي عمل يمني في كل مجالات الإبداع المختلفة.
إن الاهتمام والعناية بقسم التراث من خلال إنشاء مركز يمني يعني بهذا الجانب وإمداده بكافة التجهيزات والوسائل والإسراع في وضع الخطط لإجراء المسوحات الميدانية اللازمة لتراثنا الفني المتناثر سوف يمكن الدارسين والمختصين من الوصول إلى الكثير من المعلومات التاريخية الهامة،ويسهل عليهم إجراء الدراسات التخصصية في مجال البحث عن هذا التراث والعمل على جمعه وتدوينه وإيصاله بأمانة للأجيال التواقة إلى غدٍ وضاءٍ مشرقٍ في عالم الفن اليمني الأصيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.