فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرر .. عن جمرات نثرية للأديب المفكر عبدالرحمن طيب بعكر
نشر في الجمهورية يوم 01 - 03 - 2007

لم ينل كتاب جمرات نثرية «الصادر عن الهيئة العامة للكتاب «1» برقم إيداع «259» لسنة 2003م ما نالته مؤلفات الفقيد بعكر من الشهرة والانتشار على الرغم من سمو مكانته وفرادة موضوعه وصدوره عن أهم مؤسسة أدبية وثقافية في اليمن.
علي بعكر أحمد عزي
على الرغم من صغر حجم الكتاب «84» صفحة من القطع المتوسط إلا أن هذا الكتاب يشكل مادة خصبة للباحثين عن الجمال النثري اليمني والإسلامي وهذا يرجع إلى ندرة الكتابات النثرية وخصوصاً على الساحة اليمنية من جهة ومن جهة أخرى وهي الأهم الثقافة العالية والتوسع المعرفي والإحاطة شبه المكاملة بمجريات الساحة الأدبية قديمها وحديثها التي يتمتع بها المؤلف الذي وعلى الرغم من شهرته كشاعر ومؤرخ ومحقق إلا أنه اثبت بهذا المؤلف وغيره من المؤلفات الأدبية «2» أنه عملاق من عمالقة الأدب الكلاسيكي اليمني إن لم يكن عملاقه الأوحد..
واقر سلفاً انني لن استطيع أن أقدم لهذه الجمرات ماتستحقه من الاستعراض والتعريف وحسب هذه الشررات شرف الكتابة عن هذا السفر الصغير في حجمه الكبير بمحتواه.
وسوف اتبع الطريقة التي دأب المؤلف عليها في تبويبه للكتب الأخيرة «3» بوقفات بل سوف اتوقف مع كل عنوان في هذه الجمرات ومن الله سبحانه استمد العون والتوفيق.
مدخل
عنوان هذا الكتاب ذو طبيعة رومانسية إختاره المؤلف بذكاء ولن نستشف جمال هذه التسمية إلا عندما يخبرنا بالأسباب التي دعته لكتابة هذه الرسالة في آخر الكتاب «جاءت هذه الرسالة لتدعو الناشئة إليه وترتفع ارواحهم وتصقل مواهبهم وتشحذ هممهم لمواجهة الواقع المتردي وإحباطاته المغزيه وانحطاطاته المبكية » «4»، ولقد أفرد لعالم الشعر هذا العالم الأثير إلى نفسه القريب إلى قلبه بتسميته عناقيد وكان من المناسب أن يختص عالم النثر بهذه التسمية..
ويفاجئنا ونحن في رياض هذا المدخل بهذا التكرار الذي جنح إليه في كتاباته الأخيرة بحديثه عن عوامل الابداع (الثقافة، الموهبة والاهتمامات) علماً أنه قد سبق وتحدث عنها في أكثر من كتاب يحضرني الآن كتابه (ابن علوان وشاعر العدل والتوحيد) فقد تحدث عن هذه العوامل في هذا المدخل وفي بداية الوقفه الأولى وإنما بإسلوب شعري ونثري رائع ولعل السبب يرجع إلى انه أبحر وغاص كثيراً حتى استخرجها.
ولقد نبه المؤلف في مدخله هذا إلى أنه أهمل بعض الرموز الأدبية في عالم النثر كالجاحظ مع انه أورد له نصاً دعائياً «6» في هذا المدخل معللاً ذلك بقوله واسجل صادقاً انه ماكان لي أن أطفئ توهج جمر هذا البحث بالنصوص الجاحظيه المودعه التي لاترفع حقاً ولاتضع باطلاً لولا أن صاحبها كان ولايزال علامة بارزة في تطور النثر العربي.
وقسم لنا في هذا المدخل وعدد أنواعه التعليمي والامتاع الاخباري والامتاع البلاغي والتفجر الروحي «7» ونوه في حديثه عن الشفاهيه والإسلوبيه في النثر وان التكلف والصنعه هما منعتا من جريان نهر النثر وحولتا الادب من ادب طبع إلى بهرج التصنع وهو ما حدث مع الحريري والحصابي..
وقد كنت أعتقد أن هذا الكتاب قد كتب متفرقاً على شكل مقالات متفرقة ثم عنّ له جمعها وماكان ذلك الاعتقاد إلا لما لاحظته من إهمال الرموز ادبية يمنية وعربية وإسلامية.. وتجده يختصر في الحديث خوف الإطاله مع ان النص لايتجاوز الثلاث صفحات نص ابن قيم الجوزيه مثلاً.
وقد يتأكد لي خطأ ما ذهبت إليه عندما اخبرني الأستاذ محمد عبدالرحمن نجل المؤلف ان الكتاب ولدت فكرته وجمعت كتاباً.
الوقفه الأولى
في بداية هذه الوقفة والتي أفردها لمن طارت بهم أرواحهم الطيارة إلى السموات العلى فأبدعوا تحليقاً وأمتعوا شوقاً وتشويقاً.
وأول من توقف عنده الامام أبو حامد الغزالي الذي وصفه بأنه شاهد على حضارة أمته ورائد لعلاجها «8» واختار له النص الذي تحدث فيه عن تجربته الروحية «من كتابه المنقذ من الضلال».
وعلى الرغم من انه وصف هذا النص بأنه وضع في سرد اخباري وعرض قصصي وبصيغة تقريرية محضة«9».
يعود ويقول لقد عرض تجربته في صفاء ونقاء بعيداً عن أي تعمل وتكلف فكان النص بل الكتاب ممتعاً مبدعاً روحياً وتربوياً وأدبياً«10».
ولعلك لاحظت حماسته وتعاطفه مع الامام الغزالي وتجربته الروحيه فالنص متوسط القيمة وللامام الغزالي في هذا الكتاب والاحياء ومعيار العمل وميزان العمل له نصوص غاية في الإبداع ولكن اعجاب المؤلف بهذه التجربة وصاحبها جعلته يفضله عما سواه.
أما محطته الثانية في هذه الوقفه فإنها زمانياً تأتي بعد قرنين كاملين من القرن الخامس إلى القرن السابع وتوقف عند الامام ابن قيم الجوزية ومن بين كل كتاباته اختار لنا نصاً وصف كاتبه بأنه قد وفق في إفراغه في قالب فني رفيع..
والنص ه عن وداع رمضان ولم يحدد لنا عن أي كتاب أخذه وإن كان أشار في هامش بأن بعض مقاطعه مفقود في النسخ الأصلية.
واكتفى بثلاثة مقاطع منه « خوف الإطالة» على الرغم من أنه وصف بانه جسد ممتشج الأوردة والشرايين بحيث يستعصي اقتطاع بعض عن بعض «11» وفي آخر محطاته في هذه الوقفه توقف ويا ليته أطال التوقف وامتعنا عند القطب وأول ماقاله عنه ان اعتذار له والتمس له العذر في تلك الأقوال التي كانت تصدر عنه «مافي الجبه إلا الله» «لنا الحق» .. وقال ما قاله الامام الغزالي ماصدرت إلا عن لبس واختلاط وهو مايحدث للسائرين إلى الله ،وقال «ولقد تشدد عليه الامام الشوكاني في مطلع شبابه ثم عاد عند النصح ليحسن الاعتذار له ويتوقف عن القول فيه».
والنص الذي اختاره له من كتاب «ط ،س الازل والجوهر الأكبر والشجرة النورية».
وهو بعنوان أحمد النبي الأمي.. وإن كان هذا النص الجمرة أصغر نصوص هذه الجمرات حجماً إلا أنه وكما وصفه الفقيد المؤلف جمع أعلى معاني الأشياء وأرقى الحقائق إلى ضرام نفسه ومشبوب عاطفته وتوخز مشاعره فجاء من كل ذلك بأعلى سموات الابداع في حديثه عن خاتم النبوات ووارث الرسالات ومحقق الكمالات محمد صلى الله عليه وسلم.
اختتام هذه الوقفة
الكتابة هي انعكاس لحياة كاتبها وهذا مانلاحظه عند تأملنا في النصوص المختارة فمثلاً النص الثاني فيميل الفقيد بعكر إلى الصوفية وهو ما جعله يختار رموزها وكتاباتهم في هذه الوقفة والنص الثاني عن عدد وداع رمضان مازال «يقرأ من مساجد حيس عند حلول خواتم رمضان».
وهذا السر في اختياره يؤكد ذلك بقوله فتشعر وأنت ترى وتسمع ما لهذا الوداع من شجى والتياع.
وانهم وحدهم العارفون الحقيقون من بني البشر ممن سبقت لهم منا الحسنى وفتح لهم الأزل بابه وولجوا إلى ساحة الخلود وكان يتمنى على الله تعالى ان يطلق روحه من قيودها ويلحق بالركب.
قيدها الأول لذات الجسد
قيدها الثاني انشغال بالولد
قيدها الثالث مال لايعد
قيدها الرابع جاه لايرد
فإذا جاوزتها اجمعها
سلماً وجهك للفرد الصمد
ذقت حرية دنت واشرقت
بفيوضات هو الله احد«13»
الوقفة الثانية
تحت عنوان امطري لؤلؤاً جبال سرنديب كانت هذه الوقفه هي تشكل عمود الكتاب الفقري والباعث الحقيقي لميلاد هذه الجمرات فالمؤلف يرحمه الله عضو رابطه الادب الإسلامي وكان متواصلاً بها حتى اللحظات الأخيرة من حياته وبرئيسها الامام أبو الحسن الندوي «14» وأراد اتحفهم بهذا البحث بعد ان اتحفهم بكتابه القيم حسم الموهبه.
ولقد استهل بتلك الرحلة القلمية التي بدأها بمصر تم الهلال الخصيب والعراق وتركيا واليمن واختتم بالهند ويعجبني في الاديب بعكر «جمال وحسن استهلاله» فهو من الادباء النادرين الذين يجيدون المدخل يحدثك عن الاحمر فيجمع لك في اسطر تاريخ الغيمات يحدثك عن النعمان فيلخص لك تاريخ المعافر ثم يتحدث لك عنه وماذلك إلا لسعه إطلاعه وغزارة معلوماته.
بعد ذلك ولج بنا وبلا سابق انذار للحديث بلبل الشرق مولانا الإمام أبي الحسن الندوي الذي قال عنه وعن نصه المختار من روائعه وبدائعه«انفتحت لي نافذة الهند وانفتحت حديقتها لبصري وبصيرتي»«15»
وعلى الرغم من عدم اتفاقنا معه في اختيار هذا النص وكل نصوص هذه الوقفه لوجود ماهو أجمل وأغلى قيمة منها إلا أننا نتفهم الأسباب الداعية لذلك والتي أشرنا إليه سابقاً ولقد شعر بذلك ففي اختتام وقفته يصف هذه النصوص عدا الرابع بأنها ذات موضوع إنساني معتاد الولوج مسلوك النهج لدى كثيرين«16»
الإمام أحمد أبو الكلام آزاد استاذ نهرو وزميله في السجن..ورسائله إلى عبدالكبير اليمني ومرافعته في وجه رئيس المملكة الإنجليزية«نقلاً عن كتاب الإيمان والحياة للقرضاوي» هما المحطة التي توقف عندها..ولقد استهل هذه المحطة بالحديث عن«الأحمدون في الهند» أحمد السرهندي وأحمد بن عرفان وأحمد أبو الكلام آزاد.
المحطة الثالثة في هذه الوقفه كانت مع شاعر الإسلام إقبال والحديث عن الخطأ الذي ارتكبه عبدالوهاب عزام في ترجمة شعره إلى شعر وانه بجهود الإمام أبي الحسن الندوي تم تلافي هذا الخطأ «ولقد فطن أبو الحسن وهو الجامع لناصية كثير من اللغات الأردية، والفارسية والعربية والانجليزية لذلك الخطأ فاجتنبه وترجم شعره في شكل فقرات نثرية..«17» واختار له نصاً لصيقاً بالعربي تحدث فيه عن الأدب والفلسفة والتعليم وهو أكبر هذه الجمرات النثرية حجماً ومن اقلها حرارة..
في محطته الأخيرة في هذه الوقفة والتي وقف بها عند مولانا جلال الدين الرومي«هذا العظيم الخالد ممن أحبتهم الأرض والسماء وتسابقت إليه قلوب العباد من مختلف الملل»«18»
ولقد كان منطقياً وجمالياً أن يكون مكان هذا الطود هناك مع أصدقائه الروحانيين في الوقفة الأولى «ولقد رأه بالأفق المبين» فالنغمة من تلك النغمة والقامة من تلك القامات ولكنه الإتحاف والحب للرابطة الأدبية ورئيسها اللذين جعلاه ينظر إلى نسبة البلخي الأفغاني البعيد ويده كل ماسواه وهذا هو ذات الشيء الذي حدث معه عند كتابته لسفره الرائع.
«كواكب يمنية في سماء الإسلام» من حبه لليمن أورد فيه أعلام لاتربطهم باليمن إلا مثل تلك الرابطة البلخية،أما النص الذي اختاره له فهو من ديوانه«الرائع» المثنوي بعنوان من أحوال العارفين وقد اشتمل هذا النص على عدة تناولات كلامية بإسلوبه الصوفي الرفيع الذي تفرد به«19»
اختتام هذه الوقفة
تعجبت كثيراً من عدم إيراده يرحمه الله لنص ووقفه مع الإمام أبي الأعلى المودودي وذلك لما أعلمه من حبه واعجابه به من جهة ومن جهة أخرى لأنه أحق من غيره ممن أوردهم بالتوقف عنده والاستماع منه..ولقد رثاه الفقيد بعكر عند موته بمرثية من أجمل المراثي:
قمر الشرق ويعسوب الجماعة
غاب والآفاق تستجدي شعاعه «20»
ولقد خص هذه الوقفه بنماذج نثرية من البلد المهد وللوطن الذي لايزال أنفس تراثه الشعري وأروع ابداعاته متوارياً عن الأنظار..اليمن البلد الأول اللاشيء والآخر في كل شيء«21» مانحب أن نشير إليه هنا أن اليمن رموز نثرية وقامات أدبية سامقة كانوا أحق وأولى بهذه الوقفة ولعله اكتفى بشهرتهم وكان يهتم بالنثر المتواري عن الأنظار..وأمثال هؤلاء كثير جداً وفي كل مجالات النثر من أمثال الإمام أبوالحسن الهمداني وعماره اليمني وابن حمير وابن هيتمل وغيرهم الكثير.
وفي هذه الوقفه حط الرجال في أولى محطاته عند الإمام بشر بن أبي كبار البلوي الذي وصفه في كتابه «شاعر العدل والتوحيد» بأنه الرائد النثري الأول في تاريخ الأمة وليس اليمن وأن مقتطفاته النثرية تفوق كتابات الجاحظ«22».
ووصفه في هذه الجمرات«وأنه في مجال الرسالة مقدم على كل ناثري العربية سابقين ولاحقين واحسب هذا قابلاً للتعميم في سائر المجالات النثرية «32».
وأورد له ثلاث رسائل سوف يشعر القارئ لها بالجفاء من أول قراءة كما حدث معي ولذا نصح هنا بقراءتها للمرة الثانية وعند ذلك يستذوق ذلك الجمال الذي تحدث بعكر وسيؤكد من انطباق ذلك الوصف الذي أطلقه عليها..
وفي محطته الثانية توقف عند أبي الغيث جميل «الذي هو من كبار أعلام التصوف وآية من آيات المولى سبحانه «24»
ولقد بالغ في كيل المديح لهذا العبد الصالح وما أحسب ذلك إلا لتأثره بالصوفية والمتصوفين والنص الذي اختاره له أخذه عن كتاب طبقات الخواص للشرجي بسيط ومتواضع ..وهو عبارة عن مقتطفات من أقواله.
مجد الدين الفيروزأبادي صاحب القاموس هو محطته الثالثة في هذه الوقفة «كبير لغويي الأمة» ومجدالدين ممن وفد إلى اليمن في عهد الدولة الرسولية وتزوج ابنة الملك الرسولي الاشرف الثاني اسماعيل بن الفضل..«ولذا فنحن نعجب في إيراده في هذه الوقفة الخاصة باليمن».
والنص المختار هو عبارة عن رسالة المجد إلى الأشرف وجواب الأشراف يصفه بعكر بأنه «شهادة بعظمة العالم والأمير كيف أن التبحر العلمي واقبال الدنيا بكل مغرياتها على العالم الرباني لاتزده إلا عزوفاً عنها وحنيناً إلى مناهل الخير..»«25»
في محطته قبل الأخيرة من هذه الوقفة يتوقف بنا عند آيه زمانه علماً وصلاحاً الإمام الموسوعي الخضم الزاهد المؤيد يحى بن حمزه ،ولقد كان ينوي يرحمه الله افراده بمؤلف مستقل يتناول حياته وكتبه بشيء من التفصيل ولكن حال الأجل دون ذلك ومما قال عن هذا الإمام:
جئت شوقاً إلى اعتناق الحقيقة
واحتفاء بالهيئة المرموقة
وإماماً كابن حمزة يحيى
مفرد في احتفائه بالحقيقة «26»
واختار له نصين من كتابيه «الطراز الجامع بين أسرار البلاغة وحقائق الإعجاز» هذا الكتاب الذي جعل بعكر يعتبره مؤسساً لعلم البلاغة بل ويتفرد بالكثير من المصطلحات والرائق الفائق من النصوص »27
والكتاب الثاني هو «تصفية القلوب» الذي قال عنه بأنه كتاب الإمام ابي حامد الإحياء وانه اتى فيه بالجديد من الشواهد والأدلة والترتيب«27»
في آخر محطات هذه الوقفة الأخيرة مسك الختام المصلح الكبير أحمد بن علوان الذائد عن حقوق المستضعفين الصارخ في وجوه الملوك عن المظلومين الناقل انين المقاع المجهود إلى مسامع السقف المتكبر،الناشر أسرار القرآن الناصر أحكام السنة ،الراعي حقوق الأمة،المخترق الحجب وصفاً للنعيم الأخروي في عرضه المنثور أو المنظوم الذي لايشاركه فيه أحد ولم يسبقه إليه ولم يلحقه ذو محبرة أو قلم داخل اليمن أو خارجها عبر القرون «28» وواضح جداً مدى حبه وتأثره بهذا المصلح الذي جعله يبالغ في وصفه أي مبالغه ولقد اختار له أربعة نصوص قصيرة المطلع على كتاب المؤلف «في ركاب ابن علوان» في تعليقاته على نصوص الفتوح..يجد نصوصاً أكثر اشراقاً ووضوحاً وتأثيراً.
اختتام الوقفه
وإن كنا أخذنا عليه في وقفته السابقة ومبالغته في اغداق كيل المديح على نصوص غاية في الزهاده والبرود فإننا هنا نأخذ عليه انه وقع في خطأ حذر منه هذا الخطأ الذي يمنع جريان نهر الإبداع النثري وأورد لنا نصوصاً مسجوعة متكلفة مقامات الحريري والصابي افضل منها على كل حال.
اجمالي وداعي
الاستاذ الأديب خالد الرويشان وزير الثقافة المحترم
بفضلكم رأت هذ الجمرات النور..وهناك أكثر من أربعة عشر مخطوطة قيمة مازالت حبيسة الأدراج فهلا تكرمتم بطبعها أو حتى بعضها على الأقل وتكونوا بذلك قدمتم أجل وأفضل خدمة للثقافة والمثقفين..
الفهرس
إلى روحه الطاهرة بمناسبة مرور اربعين يوماً على وفاته وحنيني لك يكوي أعظمي
والثواني «جمرات» في دمي «29»
هوامش
1 صدر للأديب الفقيد بعكر من الهيئة العامة هذا الكتاب عندما كان رئيسها الأستاذ خالد الرويشان وكتاب شاعر المخا حاتم الأهدل ورئيسها الاستاذ فارس السقاف.
2 حسم الموهبة مطبوع وشاعر العدل والتوحيد (وسياحة) خمسة اجزاء مخطط وغيره.
3نفس المصدر
4 جمرات ص83
5 جمرات ص3
6 جمرات ص3
7 جمرات ص3
8 جمرات ص15
9 جمرات ص22
10 جمرات ص30
11 سجادة الخفر ص61
12 اقامت رابطة الأدب الإسلامي بصنعاء اربعينية تأبينية للفقيد وللشيخ محمد كامل الآني بتاريخ 27/2/2006م.
15 جمرات 32
16 جمرات ص50
17 ص40
18 جمرات ص46
19 جمرات 48
20 اجراس للمؤلف
21 جمرات حر
22 شاعر العدل والتوحيد ص16
23 الجمرات ص56
24 جمرات ص61
25 جمرات ص69
26 الرجل الذي احبه الهرم والحرم ص250
27 جمرات ص64
28 جمرات ص75
29 البيت للدكتور إبراهيم ناجي من قصيدة الأطلال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.