- «الحرب تبدأ في الرؤوس» جوته هكذا بدأت فكرة الحرب عند الفيلسوف الألماني (جوته) وهكذا دأب البعض في تناولاتهم الصحفية العقيمة، وكتاباتهم عن "المسألة الجنوبية" وما لحق بالجنوب من أضرار عقب حرب 1994م!!. ويستطرد النائمون في كهوف التاريخ - حديثهم الغث - عن وحدة الوطن ومن الذي قدم وطناً مقابل الوحدة، وإذا به قد دخل في معمعة الضم والإلحاق، وسياسة التنفير والإقصاء. وفي تقديري أن الخوض في مثل هكذا مواضيع (أمر لا طائل منه) غير أن المفلسين مازالوا جاثمين على أطلال الفجيعة يبكون تاريخ السحل والتصفيات، وزمن البيرة بخمسة شلن، والبحر الذي ذهب ولم يعد. والحقيقة وحدها والتي لا ينكرها أحد، هي أن القناعات لم تكن قد توفرت بالقدر الكافي لدى الطرف الذي غاب واستلذ الغياب والاعتكاف منذ ساعات التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق وقبل أن يجف حبرها، كانت الحرب قد بدأت في المواقع وليس في الرؤوس وحسب.. ولم تكن معركة فيها الخاسر والمنتصر سواء (كما قال الرئيس) لا .. وألف لا.. فالمنتصر إرادة الشعب المستمدة من إرادة الله، والمنهزم أولئك الذين جاءوا بثقافة ضيوف العرس والمتسابقون على اقتسام الكعكة، والفوز بحصة أكبر، ومكان أوسع. ومن ينادون اليوم بحقوق الجنوب وقضية المبعدين ينبغي أن يعوا تماماً ِأن عدن لن تكون شمال العراق أو دارفور، عدن اليوم عاصمة الاقتصاد والتجارة الحرة في الجمهورية اليمنية، الممتدة من أقصى صعدة وحتى أطراف المهرة، عدن اليوم ثغر اليمن الباسم، وحاضنة القلوب الخضر وليس «الهنود الخضر». عدن اليوم، ملاذ المتعبين من زمن التخريب والتلغيم وسنوات المطاردة وزوار الفجر. عدن اليوم.. أرخبيل الحياة المروي بدم القلب ودموع ليالي الشوق والحنين.. عدن اليوم صهيل الحياة الذي يدب في شرايين المعلا والتواهي وكريتر وحواري الشيخ عثمان. عدن اليوم.. قلوب أبنائها الطيبين، الذين استيقظوا ذات فجر حزين، فلم يجدوا فيه آباءهم، وهم اليوم أكثر تشبثاً بالوحدة، وأكثر إصراراً على بقائها وهم في طلائ المدافعين والمرابطين ضد الدسائس والمؤامرات، ضد صناع الأزمات، ومروجي الفتن، ضد من استمرأوا الحياة إلا في بؤر التوتر ومستنقعات الاحتقان السياسي، لن يحلموا بعودة ذلك الليل الكئيب وضيوف المساء الحزين. لن يحلموا بعودة البراميل والدراويش والمجانين ومرتادي الأزقة والأرصفة. لن يحلموا بعودة طوابير الخبز والإعاشة وسنوات الريح والغبار.. لن يحلموا بعود المحقق وزنازن وأصفاد التحقيق، وزبانية الموت.. يحلمون ولو كتبوا على وجه السماء وبكل صحافة الدنيا وبكل حبر العالم.. اننا نرجع إلى الوراء لن يحلموا.