الحلقة الثانية والأخيرة يواصل «جلال» حديثه للقاضي قائلاً: رغم سخرية وتعليق زملائي من موقفي إلا أني لم أعرهما اهتماماً فقد كانت المدرسة وأبوابها المغلقة هي كل همي وتفكيري ومازلت أنادي على البواب تارة وأخرى على مدير المدرسة حتى وصل مدرس مادة الرياضيات عندها اعتقدت انه سيتفهم عذري ويكون شفيعاً لي وكفيلاً باجتيازي بوابة المدرسة ،وما أن بدأت ألقي إليه اعذاري بصوت متحشرج قاطعني وبابتسامة ساخرة قال «كلانا في الهواء سواء ليعد كلا إلى منزله» عندها ادركت أنها أكبر من التأخير عن الطابور اثماً وأكبر من أن تناله شفاعة استاذ أو عذر وانها عند مدير المدرسة من كبائر الإثم وما ان هممت بالعودة إلى المنزل شعرت بيد تطوق عنقي لتغطي عيني أزحتها عني فرأيت ابن حارتي وزميل الصف «عادل» يقف ورائي يمازحني محاولاً اخراجي مما أنا فيه فشرحت له صعوبة عودتي المبكرة إل المنزل دون دراسة وعدم تقبل والدي سببها فضحك وقال «بسيطة» لا«تروح» أجبت وبدهشة أين أذهب؟ رد: تعال معي إلى ماهو خير من المدرسة والمنزل واصفاً محلات الألعاب الألكترونية والنوادي ومقاهي الانترنت التي لم ارتادها من قبل وكأنها جنة الله في أرضه. فذهبت معه منفقاً وقت المدرسة على تلك الأماكن، لأجد نفسي في اليوم التالي في نفس الموقف أي أمام مدرسة موصدة أبوابها غير مبالٍ لوجود البديل أو بلفظ أصح ما اعتقدته ويراه طيش الشباب كذلك.. وهكذا يوماً بعد يوم لا ندخل المدرسة إلا يوم أو يومين في الأسبوع وان حضرنا فهي حصة أو حصتين ونتسلق أسوار المدرسة مغادريها حتى تم فصلي من المدرسة ومطالب باحضار ولي أمري لتبرير أسباب الغياب لأتمكن من العودة إلى الدراسة عندها أدركت أنها نهايتي وحرت ماذا أفعل سيقتلني أبي إن عرف أمري. ولي أمر من الحراج ما من وسيلة ستقنع أبي وتبرر فصلي بدأت أخاطب نفسي هل أغادر المنزل؟ وإلى أين أذهب، لجأت إلى صديقي «عادل» استصرخه أن يغيثني فضحك لمجرد أن سمع الخبر وبسخرية أجاب «بسيطة» قاطعته كيف؟ ألم أقل لك ان والدي فلاح ولن يتقبل أمر فصلي وقد يقتلني بل ومدير المدرسة، فتعالت ضحكته وقال: نستأجر لك ولي أمر، دع الأمر لي وماعليك الا أن تحضر معك غداً مبلغ ألف ريال.. أجبته حاضر سأدبرها وعدت إلى المنزل أحمل هم تدبير المبلغ فزملائي قد استلفت منهم جميعاً وأنفقتها على الأماكن التي كنت ارتادها ، ومصروفي لا يتجاوز خمسين ريالاً صوت أمي ينتشلني من تفكيري العميق: جلال جلال تعال والدك مريض ونحن بحاجة إلى المال سنذهب لنبيع هذا الخاتم وبعد عودتي استلطفت الأمر فاختفاء قطعة صغيرة من الذهب كخاتم لن تشعر بغيابها أمي وستحل كل مشاكلي. وصلت يدي إلى ذهب أمي فأخذت أحد خواتهما الذهبية وذهبت وبعته وعدت إلى منزل صديقي عادل فأعطيته ضعف ما طلب ومعها حزمة من الأسئلة حتى لا يسأل كيف حصلت على الفلوس وكيف تحول الفقر المدقع إلى غناء فاحش وهو العالم بوضع العائلة وأحوالها.. اتفقنا على الالتقاء غداً في نادي الشباب المجاور للمدرسة.. فوصلت إلى المكان قبل الموعد المتفق عليه بساعة ووصل عادل ومعه عمر وقال مازحاً هذا والدك الجديد أجبته كيف قال ألم يطلب مدير المدرسة حضور ولي أمرك هذا ما لديك ولا تقلق فهو بارع في تأدية دوره كما فهمته.. تقبل مدير المدرسة تبرير عامل الحراج سبب غيابي وتعهد على التزامي حتي انه استطاع أن يحصل لي على أسبوع اجازة وأوهم المدير بمرض والدتي وضرورة إجراء عملية جراحية لها وعلي تولي مرافقتها.. حقيقة لقد تعجبت من اتقانه دور ولي الأمر فكم من الكوادر والمواهب التي بحاجة إلى تلميع وابراز.. فشكرت للوالد اتقانه الدور ولصديقي حسن اختياره مع اعتراضي على الوالد المستعار من حيث الشكل. المهم انتهت مشكلة فصلي مع حصولي على مبرر غياب وعذر سبق لمدير المدرسة معرفته حتى انه كان يسألني دائمآً عن أحوال والدتي المريضة.. وهكذا استمريت في طريق الضياع وبعذر رسمي وكلما افتقرت إلى المال استنجد بذهب أمي حتى أني أدمنت على السرقة وأصبحت من أشهر اللصوص المعروفين لدى البحث وأقسام الشرطة وأبناء الحارة، وهنا توقف جلال القابع في قفص الإتهام راجياً حجب جريمتي المنظورة أمام المحكمة حتى لا يتأذى القارئ من قبح مصانعته آملاً أن أنقل رسالته إلى قيادة وزارة التربية والتعليم والى مدير مدرسته وكافة مدراء مدارس الجمهورية. يقول فيها: «بقرار أو على سبيل العادة تغلق أبواب المدارس على الطلاب المتأخرين فكانت سبباً لانحراف وضياع العديد منهم فهل حرمان الطالب من...؟ وهل عجزت كوادر التربية والتعليم معالجة المشكلة وإيجاد البديل؟ ولماذا لا يتم الاستعانة بخبراء وعلماء لابتكار ما هو أصح من إغلاق الأبواب ؟..... أليس كذلك؟!