جاءتني والحماس يشع وميضاً من عينيها، حاملة شعث أوراقها، وقد هيأت نفسها لكتابة أول تحقيق صحفي لها في محاولة باهرة لاقتحام عالم الصحافة، هذا المجهول المليء بالأحلام البنفسجية والمشبع بأوجاع الواقع. قالت: إن فكرة قديمة تعشش في خيالها عن كتابة موضوع طويل حول.. التعايش السلمي بين شعوب العالم.. وأنها فكرت كثيراً في عدائية العرب والمسلمين للشعوب الأجنبية، والشعب الأمريكي على وجه الخصوص، وأن العرب يعملون جاهدين على ترسيخ مبدأ العداء والكراهية للشعب الأمريكي، وهو ما لا تراه منطقياً؛ إذ أن الأنظمة والسياسات هي التي تخلق حالة القطيعة وترتهن مصالحها تبعاً للضغوط التي تحاصرها بفعل سياسة الاستقواء وفرد العضلات.. وإن من الأدعى ألا تزج الشعوب في خضم الخصومات المتصاعدة بين الأنظمة. أمام هذا الحماس المشحون بحالة عفوية من الصدق والنقاء، استقلبت طرح الأخت العزيزة «......» واستأذنت انفعالها أن يكبح جماحه، ليتسنى لي الرد الموضوعي والذي أراه محايداً وشفافاً إلى حد بعيد. الشعوب الأجنبية والشعب الأمريكي على وجه الخصوص لا يمثلون حالة استثنائية مغايرة لما هو معتاد في سلوكها وإنما جبلوا على مر التاريخ في قراءة دقيقة لكتابة «mecia felly» «الأمير» والذي يرى أن الوصول إلى أبعد الغايات هو حلم الفرد القوي والمجتمعات المتسلطة والتي ينبغي لها أن تسود العالم تحت مفهوم «الغاية تبرر الوسيلة». وهم لا يتعاطون مع من يحيط بهم إلا وفقاً لهذا المفهوم الضيق والذي أثبتت الأيام عدم صحة معناه المغاير لطبيعة وناموس الحياة. لا يحبوننا لأنهم يبحثون عن شماعة يعلقون عليها أخطاءهم، وحبل ينشرون فيه اسقاطاتهم وانتكاسات أخلاقهم، فلا يجدون غير العرب والمسلمين وشعوب الأمم المستضعفة، فمرة يصمونهم بالمتخلفين، ومرة بالرجعيين، ومرة بالأصوليين ومرة بدعاة الإرهاب، وإلا فما فعله صدام لا يساوي مثقال ذرة مما فعله شارون، هذا السفاح الذي رفضته الحياة ورفضه الموت حتى اليوم!!. ولا تستطيع هذه الأنظمة التي تستقوي بفعل امكانات التسلح وعوامل القوة أن تقدم تبريراً منطقياً عن دعمها المتواصل والمضطرد لليهود الذين احتلوا أرضنا منذ ستين عاماً دون أي وجه حق. لا يستطيعون القول ما هي دعاوى احتلال أرض العراق وتدمير منشآته وتجويع شعبه، وترويع أبنائه، وتركيع نظامه، بعد حصارهم قرابة ثلاثة عشر عاماً. لا نحبهم.. لا نحبهم.. لا نحبهم.. لأنهم يجدون أن من المنطقي أن لايكون للشعوب العربية وجود على ظهر الحياة. لا نحبهم.. لأنهم شعوب تبارك «ديماغوجية السياسة القذرة» ضد الشعب العربي في لبنان والسودان وفلسطين وسوريا. لا نحبهم.. لأن إعادة انتخاب قاتل الأطفال في بغداد وقانا.. هو تأكيد مطلق على بيعة مطلقة من شعب يتلذذ بمشاهد الموت وصور الأطفال تحت أنقاض المباني وجنازير الدبابات. لا نحبهم.. لأنهم نفخوا صور البعث قبل قيام الساعة من مناطقنا العربية ، وأصبح الإنسان أقل قيمة من الحذاء الذي ينتعله.. لا نحبهم.. لأنهم شعوب تنافق ولا تجيد منطق الصدق والوضوح مع زعمائها، حين يخرجون عن الصدق وجادة الصواب، فلكل رئيس أمريكي موقفه العدائي من العرب وموقفه الثابت والداعم والمؤازر والمناصر للكيان الصهيوني والسرطان المنتشر في جسد الأمة وخاصرة بيت المقدس. لا نحبهم.. لأنهم تحت مسميات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان قد امتهنوا كرامة الأمم ووطأوا جثث الأبرياء واعتقلوا شعوباً بأسرها، وكمموا أفواه الملايين بالقبض على خناق حاجاتهم واستعبادهم والعبث بأقواتهم. لا نحبهم.. لأنهم حتى اليوم لم يجدوا مبرراً لكل هذا الإسفاف الذي يفتعلونه فينا، والأضرار التي ألحقوها بنا. -لا نحبهم.. لأنهم صنعوا ركائز الإرهاب ودربوهم على صناعة هذه السيناريوهات السخيفة بدءاً من 11 سبتمبر 20001م وحتى تفجير المدمرة «كول» في سواحل عدن، لا لشيء إلا لتحقيق مصالحهم وتنفيذ مآربهم، والكل على علم بذلك، لا نحبهم يا عزيزتي.. ولن نحبهم!!.